عبد الفتاح العوض يكتب : اصمت كي لا أراك
ثمة مقولة خالدة: يحتاج الإنسان إلى سنتين ليتعلمَ الكلامَ، وخمسين سنةً ليتعلمَ الصَّمت.
ليس هناك صفة نالت الرضا في المجتمع العربي أكثر من الصمت… الحكماء والشعراء والمجانين اتفقوا على فضيلة الصمت… القدماء والمعاصرون تغزلوا بالصمت…
لماذا نال الصمت كل هذه الأهمية في العقل العربي؟
أقرب الإجابات التي يمكن الإعلان عنها دون تردد ومن دون أن يساورك الشك بصحتها أن الصمت هو المعادل الطبيعي للنجاة… كلما كان فمك مغلقاً فأنت في غالب الأحيان بأمان.
كثير من الوزراء لديهم ميزة الصمت ويكاد قلة فقط سمعوا أفكارهم في حلقات ضيقة هؤلاء انتفعوا بفضائل الصمت لا يذكرهم أحد بخير ولا شر.
منذ زمن بعيد والناس تدرس علاقاتها مع الكلام وثمة علوم كاملة في هذا المجال لكن لم يصل الأمر لأن يكون شيء ما اسمه علم الصمت.
متى نصمت؟
عندما لا يكون لدينا ما نقوله… عندما يكون الحدث أكبر من التعبير عنه… عندما لا يقدم الكلام ولا يؤخر… أما الصمت في حرم الجمال جمال فليس هنا موقعها.
الصمت في السياسة يسمى سياسة الغموض الفعال.. ومثلما هناك صمت إمارة القبول يوجد أيضاً صمت علامة العجز. فيما يصبح الصمت الواعي دليل الحكمة وهو نادر جداً عندما يفضل الإنسان الصمت على رغبة الكلام عندها وعندها فقط نسميه الصمت الجميل.
هل يوجد لدينا «تيار الصامتين»؟… لا أظن ذلك.. يكاد الجميع يصاب بشره الكلام وهو نوع من التعبير عن الضيق، هو شبه إعلان عن النفس أو ما يمكن اعتباره ما باليد حيلة إلا مجرد ثرثرة كلمات.
السؤال المفيد: من الأكثر فائدة الذين يتحدثون كثيراً أم الذين يصمتون كثيراً؟
استبعاد من يتحدث ضمن الحالة الطبيعية، فإن الذين يتحدثون أكثر هم أكثر فعالية فهؤلاء لديهم القدرة على التعبير عن أنفسهم ولديهم أفكار يناقشونها مع الآخرين وفوق كل ذلك تعرف مستواهم من عمق كلامهم أو من سخافته أما أولئك الصامتون فلا تدري هل صمتهم عن حماقة أم حكمة.
لكن أغلبية الذين يصمتون ليس عن حكمة بل عن عجز وخوف في أحيان كثيرة وفي أحيان يكون الصمت قلة حيلة وهذا يقع فيه صمت المسؤولين.. سقراط كان يقول تكلم كي أراك… لو كان في هذا الزمن لكان قال اصمت كي لا أرك.
أقوال:
• لا تطلقن القول في غير بصر إن اللسان غير مأمون الضرر.
• الصمت ليس فارغاً، الصمت مملوء بالأجوبة.
• الصمت أيضاً له صوت لكنه بحاجة إلى روح تفهمه.
• يموتُ الفتى من عَثْرةٍ بلسانِه…. وليس يموتُ المرءُ من عثرةِ الرجلِ.