كتب عبد الفتاح العوض هل لديكم ذكرى عن أول يوم دراسي؟
من ذاكرتي أني جئت متأخراً إلى الصف وعند الدخول خلعت حذائي مثل العادة عندما ندخل إلى أي بيت، وأول درس تعلمته لا تخلع حذاءك في الصف!
هذه محاولة تشجيع لإنعاش ذاكرتكم عن أول أيام الدراسة، لكن موضوعنا عن شغف الأسر السورية بالتحصيل الدراسي.
في هذه الأيام ثمة مفاخرة حكومية أنه ما زالت لدينا مدارس مجانية، وما زال هناك المعلم الذي يذهب لمدرسته، ولا شك في أن ذلك كله بعد هذه الحرب الطويلة والوضع الاقتصادي المتردي جداً يعد مهمة صعبة وشاقة. تخيلوا بعد كل هذه السنوات لكل 13 طالباً معلم، حيث عدد المعلمين نحو 275 ألفاً وعدد التلاميذ 3,7 ملايين، والرقم العالمي معلم لكل 20 طالباً.
ثلاثة قطاعات بقيت تقدم خدمات ضرورية رغم ما فيها من نقص وهي المدارس والجامعات والمشافي.
لكن في موضوع التعليم يرجع الفضل الأكبر لطريقة تفكير الأسرة السورية ونمط علاقة الأهل بالطموح الذي يخلقونه عند أبنائهم.. في معظم أنحاء البلاد ومع كل التغيرات التي حدثت ما زال الأهل يعتبرون تعليم أولادهم أهم واجب يقومون به.. والمسألة وإن كان فيها جزء من التنافس الخفي بين العائلات أو تنافس معلن بين الأقارب، إلا أن جوهر هذا التنافس أن التحصيل الدراسي هو شهادة تأمين للمستقبل.
المحرك الأساس للتحصيل الدراسي يقوم على فكرتين: الشهادة ضمانة وأن سوق العمل يحتاجها، وأن فرص العمل في الخارج تصبح أسهل من خلال الشهادة العلمية، أي جواز سفر من نوع ثانٍ.
الآن هناك تغييرات جذرية في سوق العمل وتغيرات في المهن التي تؤمّن دخلاً أفضل من غيرها، وهناك أيضاً تغير واضح في تقدير أهمية الوظيفة الحكومية، بل هناك تغير جوهري في النظرة إلى الوظيفة بحد ذاتها واعتبارها قاتلة للطموح. لكن كل ذلك لم يؤثر بعد وحتى الآن في نظرة الأهل للتعليم، والسبب في ذلك أن المجتمع السوري بشكل عام يربط كل ما يحدث بالحرب، وأنه في انتهاء الحرب تنتهي آثارها ومظاهرها، ولا بد أن تنتهي بشكل أو بآخر سواء كان قريباً جداً أم قريباً من باب التفاؤل وليس من باب الواقعية.
أشياء كثيرة تغيرت في سوق العمل وفي مصادر الدخل في العالم، لكن الأسرة السورية ما زالت مؤمنة بفكرة التحصيل العلمي، ويأخذها في ذلك ليس الجانب المادي فحسب بل أيضاً السمعة الاجتماعية، وفي سبيل ذلك يدفع الأهل مبالغ طائلة على الدروس الخاصة.
مثلاً: رغم قناعة الناس أن المهن الحرة والعمل الحرفي يؤمّنان دخلاً أفضل من معظم الشهادات الجامعية، إلا أن الإصرار على التعليم الجامعي يعد واحدة من مقدسات الأسرة السورية.
أخيراً…. لا تنسوا ذكرى من أول يوم دراسي.
أخيراً جداً… نحتاج إلى تغير في نظرة المجتمع للتحصيل العلمي، وأن يتجه بمرونة للمهن المطلوبة محلياً وخارجياً.
أقوال:
– الدراسة ليست تحضيراً للحياة؛ الدراسة هي الحياة نفسها. «- جون ديوي».
– التعليم ليس ملء دلو، بل إشعال نار. «- ويليام بتلر ييتس».
– التعليم لا يغير العالم، بل يغير الأشخاص الذين سيغيرون العالم. «- باولو فريري»