من دفتر الوطن.. عبد الفتاح العوض.. المرآة المكسورة!!
عبد الفتاح العوض على مدى عدة سنوات كان الإعلاميون يغبطون أو ربما يحسدون أهل الدراما على مساحة الحرية التي مُنحت لهم، وبدا واضحاً أن الدراما السورية خلقت لها أجواء من الإبداع المترافق مع الحرية، ما جعلها تتفوق على الإعلام السوري. ما يناقش في المسلسلات السورية كان أهم جداً مما يناقش في وسائل الإعلام، أضف إلى جو «الفرجة» التي تخلقه الدراما إلا أن ميزتها كانت في قدرتها على تناول موضوعات بالغة الحساسية، ومرت على الشاشة دون كثير من اعتراض من الرقابة أو المؤسسات التي تم نقدها بطريقة مباشرة وحادة. ولم يستطع الإعلام مجاراة الدراما في عدة نقاط.. أولها أن الإعلام لم يقدم محتواه بطريقة جاذبة، ولاشك أننا ما زلنا إلى الآن نعيش في النمطية حيث لا يمكن التعويل كثيراً على قدرة الإعلام على جذب جمهوره. مسألة عدم الجاذبية تعتبر واحدة من أهم المشكلات التي يعاني منها الإعلام، وتبدو هذه الجاذبية مقارنة بالدراما في وضع محرج جداً للإعلاميين. النقطة الثانية والأهم أن مضمون الدراما اكتسب خصوصية من مدى الحرية التي استفاد منها، ولعل الموضوعات التي نوقشت في بقعة ضوء على سبيل المثال تمثل أنموذجاً للقضايا الحساسة التي عالجتها الدراما بكل إبداع. فيما بقي الإعلام يجتر نفسه ويعيد ذات الموضوعات التي تلامس القضايا من الخارج من دون أن يكون لها دور في الذهاب نحو الأعماق. النقطة الثالثة.. أن الدراما تصل إلى الآخرين في دول مختلفة وكثيرة، بينما الإعلام السوري يكاد تقتصر متابعته على السوريين سواء في داخل أو خارج سورية. مساحة الانتشار للدراما تجعل منه أكثر أهمية في خلق الصورة من المجتمع السوري. وهنا مكمن الخطورة والأهمية. فالدراما تنقل ما يمكن أن يشكل صورة نمطية عن السوريين وحياتهم وهذا ما حدث خلال الفترة الفائتة حيث كانت صورة السوريين ناتجة عما أنتجته دراماهم بغض النظر إن كانت هذه الصورة صحيحة أم لا… أو كانت هذه الصورة جيدة أم سيئة. ورغم أني لست إلا مجرد متابع للدراما فإنه في هذا العام على ما يبدو تتراجع الدراما لتصبح على مسافة واحدة مع الإعلام. فالأفكار فقيرة جداً.. ويبدو أن معظم الأعمال أعدت على عجل، إضافة إلى مضمون باهت لم يستطع أن يطرق الأبواب التي كان يناقشها سابقاً. لا شك أن سنوات الحرب أثرت في كل مناحي الحياة في سورية، ولا يمكن أبداً أن نتوقع أن ينجو قطاع ما من هذه الآثار، لكن وعادة في الأوقات الصعبة تتحرض الشعوب على الإبداع الفكري حيث يكون الفكر جزءاً من مناعة المجتمع. وليس العكس كما يجري حولنا إذ ينجرف المثقف باتجاه سلوك القطيع ويصبح أقرب لإرضاء الجمع العام وليس لإغناء الرأي العام. إن الفكرة الرئيسة التي أريد أن أصل إليها.. أن صنّاع الفكر والثقافة ينبغي أن يكون لهم دور في حماية المجتمع من آثار الحرب، وأن يتمثل هذا الدور في إعطاء لقاح مناعة ضد المزيد من الانهيار القيمي والأخلاقي.. مع الأسف.. لا شيء من هذا يحدث.. النخبة تنجرف باتجاه التماهي مع الانهيار!! مع الأسف لم يعد المثقف السوري حلاً للمشكلة بل جزء منها.
أقوال:
- الفن هو الكمال في تقليد الواقع.
- الدبلوماسية هي فن معرفة ما يجب ألا تقوله.
- نعرف أن الفن ليس الحقيقة.. إنه كذبة تجعلنا ندرك الحقيقة.
- ميزة الذكي أنه يستطيع التظاهر بالغباء لكن العكس صعب جداً.