لماذا تنتشر الآراء التافهة بسرعة الضوء؟
الاثنين 18-12-2017
- نشر 7 سنة
- 1626 قراءة
يقوم أحد المجهولين بنشر فيديو أو منشور أو تغريدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يتعرض فيه لدولة أو لشعب عربي أو يبدي رأياً شاذاً يمس عادات وعقائد وقيم المجتمع.. شخص هامشيّ ربما يبحث عن شهرة من خلال الطريق الأقصر؛ وهو إثارة الناس والمسّ بأوطانهم أو معتقداتهم وقيمهم أو مقدساتهم.
شخص قادم من غياهب المجهول، ربما يعاني فشلاً اجتماعياً أو حالة نفسيةً، أو ربما يكون مدفوعاً من غيره، يتحول بسرعة البرق إلى حديث الساعة ويتم تداول ما نشره على نطاق واسع. البعض يقوم بالنشر من أجل الرد عليه والبعض الآخر من أجل التشهير، بينما آخرون -وهم في الغالب قلة قليلة- يقومون بإعادةِ نشر كتأييد لرأيه.
رأي فردي شاذ ومستهجَن يُسال من أجله أطنان من الحبر ويحتل المراتب الأولى على شبكات التواصل من حيث المشاهدة وإعادة النشر! رأي لفرد من بلد قد يكون عدد سكانه عشرة أو عشرين مليوناً يُضخَّم ويكبّر بطريقة دراماتيكية؛ ليصبح في الواجهة وليبدو كأنه يمثل بلده أو مجتمعه ككل أو كأنه لسان حال هذا البلد والناطق الرسمي باسمه! وتندلع على أثره حروب كلامية طاحنة بين الناس؛ حميّةً وتعصباً لمجنون ألقى حجراً في بئر.
لماذا لا تندثر الآراء الغريبة؟ ولماذا تنتشر بهذه السرعة الجنونية؟ لماذا لم تصل لنا كميات كبيرة من القصائد والمقولات التي هجت الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟
كان معظم الناس قديماً يتجنبون الآراء الفاسدة؛ بسبب العمق الأخلاقي وقوة الوازع الديني والوعي الكبير، فكانت الآراء الشاذة بالنسبة لهم كالرائحة الكريهة التي يحاولون الابتعاد عنها قدر الإمكان، عكس كثير من الناس في وقتنا الحاضر والذين يقومون -بقصد أو غير قصد- بتشغيل مراوحهم عند كل رأي فاسد لينتشر في كل مكان.
الرأي الفاسد الشاذ -كما قال أحدهم- يبدأ خافتاً ضعيفاً، ولكن الكثير منا حين يتطوع من أجل التصدي لهذا الرأي الكريه وتفنيده -عن حسن نية- فإنه يعمل عمل الجدار الذي يجعل لهذا الصوت صدىً يضخّمه ويأتي آخَر ليفعل الشيء نفسه، فيتكرر هذا الصوت مجدداً ويصبح مسموعاً ويصل إلى مسافات بعيدة بدل أن يختفي ويتلاشى.
ثقافة تجاهل الآراء الشاذة شبه معدومة لدى معظم الناس في الوقت الحاضر، فمعظمهم يمارس دور العدسة المكبرة، حيث يقوم بتسليط الضوء على سفاسف الأمور والأصوات النشاز التي تفرّق أبناء الأمة الواحدة بدل تهميشها ودفنها في مهدها.
تداوُل الفيديوهات والمنشورات التي تحمل آراءً غريبة وشاذة -ومهما كان الهدف نبيلاً من وراء ذلك- يعمل عمل الهزات الارتدادية، التي وإن كانت أضعف من الهزة الرئيسية فإنها قد تكون أكثر خطراً وتدميراً؛ لأنها تعزز الصدوع، وقد تدمر ما لم يتم تدميره في الهزة الرئيسية.
كل نشْر وتداوُل لفيديو أو منشور أو تغريدة لآراء تغرد خارج السرب وتسبح عكس التيار- هو بمثابة وضع قطعة جديدة في لوحة تركيب (Puzzle) بشعة، ودفعها لتكتمل ولتتصدر المشهد والتغطية على القضايا الكبرى، فينصرف الناس إليها عوضاً عن الاهتمام بقضاياهم المصيرية وإشكالياتهم الكبرى، حيث ينشغل الناس بقضايا هامشية ويخوضون معارك جانبية تنتهي بخسارة جميع الأطراف، تاركين الساحة لخصومهم الحقيقيين كي يظفروا بالمعارك والمواجهات الأهم.
يُنسب إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال : "أميتوا الباطل بعدم ذكره". التصدي للباطل والآراء الشاذة لا ينبغي إلا إذا كان هذا الباطل معركة حقيقية لا جانبية وقضيّة مصيرية لا هامشية وإذا كان يستحق الوقت الذي يُصرف من أجله.
العقول الكبيرة معاركها كبيرة، والآراء الواعية الحرة تحلّق بعيداً عن القيعان والمستنقعات.
هافابوست