في هذا العالم الهائج.. من يقول لنا ماذا سيحدث غداً؟
أتحدث هنا عن مراكز الدراسات. تعابير كثيرة أطلقت على مراكز الأبحاث والدراسات لعل أشهرها حالياً مراكز التفكير.. في وقت سابق كانت تدعى صناديق المخ أو الأدمغة، لكن وأيا كانت التسمية التي يتم استخدامها فإن مراكز الفكر هي التي استطاعت أن ترسم ملامح مستقبل الدول. شيء يثير الغرابة بين مراكز أبحاثنا ومراكز أبحاثهم. مراكز أبحاثهم تتوقع المستقبل وترسم احتمالاته وتقدم نصائح للغد. مراكز أبحاثنا نمط آخر من التفكير، يدرس ماذا حدث ويفسر الماضي ويجتره، وقبل أن يأتي الغد تكون قيمة ما كتب أصبح هباء منثورا!
هذه القضية ليست مرتبطة فقط بنمطية العقل العربي الذي دوماً ما يشعر بأنه يعيش الماضي ويرسم شكلاً رومانسياً للتاريخ حسب «نظرية سقى الله أيام زمان» «النوستولوجيا»، حتى إن أياً منا يحاول استذكار الماضي بطريقة جذابة رغم ما كان فيها من تعب ونصب وغم وحزن.
ترى الكثير منا يرسم صورة للماضي بطريقة تثير كل الرغبات للعودة إليه، ورغم أن ذلك قابل للتفهم لجيل الشيخوخة، على اعتبار أنه يستذكر الشباب والطفولة، لكنه غير قابل للتفسير بالنسبة لجيل شاب ما زال أمامه أكثر مما مر به.
في سورية الآن عدد محدود من مراكز الأبحاث، وفي الفترة الأخيرة بدأ الاهتمام أكثر في هذا المجال، لكن من الواضح تماماً أنها ما زالت مراكز مبتدئة.. ولا أدري ما إذا كان يعول عليها أصلا وما إذا كان أحد ما يستمع إلى ما يقولون، لكن حتى هذه البدايات المتواضعة لا تحظى باهتمام كاف وتكاد تكون مراكز فقيرة من حيث الإمكانات المادية والبشرية.
إضافة إلى كل ذلك ليس لدينا جهات رسمية مهتمة بما تنتجه هذه المراكز، وهذا له علاقة بنظرتنا إلى الخبراء، نظرة دونية ولسان حال المسؤول في بلد منا يقول إنني أفهم منهم وأكثر إدراكاً للماضي وأكثر قدرة لتوقع المستقبل.
وفوق كل ذلك فإن المراكز نفسها تتعامل مع كوادرها كما لو كانت تجمع «خردة العقول» أو «أرشيف الأدمغة» إذ تختار عقولاً ليس لديها ما تقدمه.
حتى في الجامعات ومركز دراسات جامعة دمشق أنموذج يضم المغضوب عليهم من الباحثين.
ثم إن مراكز البحث التابعة لجهات عامة أو شبه عامة فإنها تقدم لهذه الجهات ما يرضيها وتسمعها الدراسات التي تبهجها.
كل هذا يرسم صورة ليست جميلة لواقع مراكز الدراسات السورية، والحل أن يكون لدينا مراكز دراسات ناتجة عن زواج شرعي بين المال الوطني ومؤسسات العقل السوري، حيث تكون هذه المراكز غير ربحية وتابعة لجامعات أو مؤسسات إعلامية.
بغير ذلك ستكون لدينا صناديق عقول وليس مراكز تفكير، بينما ما نحتاجه مراكز تفكير تشعل لنا أضواء للمستقبل وتقدم وصفات نجاح بغير ارتجال.. وثيقة وطن واحد من المراكز التي يمكن أن تقوم بدور مميز ولديها إدارة بعقل مختلف وتضم مجموعة من الأسماء التي لديها ما تقدمه، ولديها الفرصة لسد الفراغ والتحول من مركز سوري إلى مركز عربي يفتخر به.
أقوال:
التفكير هو حديث الروح مع نفسها.
الناس يطالبون بحرية التعبير كتعويض عن حرية الفكر التي نادراً ما تستخدم.
الوطن