صحفي سوري يقترح منح قروض للمتقاعدين لاقامة مشاريع صغيرة
كتب الصحفي ناظم عيد :
المجاملات كلام فاض..لا يغني من فقر ولا يسمن من جوع..خللونا بالمفيد.
هنا “ثروة الثروات ” .. بلا مجاملات ولا نفاق ؟؟
ناظم عيد – الخبير السوري:
لافتة كانت الحقائق العلمية التي تم بثها على شكل فيديو يتحدث عن مهاراتنا نحن البشر في عمر مابعد الستين و السبعين عاما..
والخلاصة كانت أبعد من مجرد تراكم معرفي، وتتعلق بخاصية عضوية اسمها “المرونة العصبية” التي يتمتع بها الإنسان في مراحل مابعد الستين عاما..
لدينا في سورية حوالي ٦٨٥ ألف متقاعد مسجل في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية “يتقاضون رواتب”..وهناك ربما مثلهم من الفئة العمرية مابعد الستين لم يكونوا من العاملين في الدولة، معظم هؤلاء يشكلون ثروة هائلة، معطلة فشلنا في الاستفادة منها وعطلناها عنوة، بل وأحيانا تعسفنا بها ولو عفوا وليس قصدا.
الواقع ليس من مكان للوجدانيات في أدبيات الاقتصاد، وإن أقحمها هواة الردح والمدح.. لن يكون ذلك إلا ضربا من النفاق المجاني، وهذه الأخيرة دارجة كثيرا في كل أوساطنا، بل هي من المشكلات القيمة والمخجلة التي تمنعنا “جينات النفاق” ذاتها من حلها أو مواجهتها..اليوم و سابقا وربما في القادمات من الأيام .
لم نتعاط جميعا مع “ملف المتقاعدين” سوى بحالة وجدانية..من قبيل ” أنتم بركتنا..أنتم الأصل..كفيتوا ووفيتوا…” لانظن أنها تدعمهم نفسيا بقدر ما تتسبب لهم برضوض، لأنها تحقنهم بكم هائل من مشاعر الشفقة، وبدونها كانت الأمور أفضل بكثير..
نحن جميعا لانعلم عن هذه الشريحة سوى معاناتها أمام مكنات الصرافة الآلية لتقاضي المعاش الشهري، وهو الحيثية الوحيد الباقية التي تربطهم بالخطوط الحسية للحياة العامة في بلدهم..ماخلا ذلك حولتهم النظرة الخطأ إلى حالة نافرة، وهذا أخطر أشكال التعسف – ليس بهم – بل بإمكانات وموارد بلد تبدو على الإطلاق أهم نسق من الموارد البشرية..
هؤلاء خبرات تراكمية ثمينة بكل معنى الكلمة، حيدناهم بقرار و عطلناهم بأعراف مرتكسة تلبستهم قبل غيرهم..ليبقى السؤال هو: هل فعلا نحن مقتنعون بأننا لسنا بحاجة لخبراتهم؟
خطأ فادح إن سمحنا لمثل هذه القناعات بالسيطرة علينا وعلى المتقاعدين ذاتهم..فالتقاعد في الحقيقة هو نهاية مرحلة حياتية، وبداية مرحلة أخرى أهم وأنضج وأكثر جدارة في تسجيل الحضور اجتماعيا واقتصاديا.
إذا مالحل؟
ربما يكون المتقاعدون أهم عامل قوة في إنجاح تجربة المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، هؤلاء أفضل رواد أعمال ..خبرة وقدرة على الإدارة وقدرة على الصبر والتروي، ويكون الشباب هم قوة العمل و “التلاميذ” المتدربين على أيدي الكبار.
على وزارة العمل أن تحضر قاعد بيانات وتصنيف للمتقاعدين وفق الاختصاصات والمهن التي مارسوها خلال حياتهم الوظيفية، وتنسق مع هيئة تنمية المشروعات لاختيار فرص المشروع الصغير المناسب لكل متقاعد يرغب بالعمل..من مختلف أنواع المهن والأعمال ..بدءا من دار النشر الصغيرة أو مطبعة أو مكتبة أو متجر ..وصولا إلى المشروعات الإنتاجية في الزراعة والتصنيع الزراعي، والورش المهنية بالنسبة للمهنيين من المتقاعدين.
هذا يحتاج إلى مشروع وطني حقيقي تشترك به كل الجهات الحكومية، إضافة إلى اتحادات غرف الصناعة والتجارة والزراعة والسياحة..
ولاتسألوا عن التمويل..فهذا ممكن عبر قروض مصرفية بضمانات الموجودات الثابتة للمشروع ذاته، أو كفلاء تسديد شباب أو موظفين من الأبناء أو الأقارب، أو ضمانات عقارية أو كفالات من أصحاب السجلات التجارية والصناعية..الخيارات كثيرة لن يضللها من يكون جادا في دراسة الفكرة..المهم أن نبدأ وستكون النتائج جيدة لجهة تلقف المتقاعدين للفرص الجديدة.
هامش.. قال الملياردير الصيني جاك ما بما معناه ” أننا ننجح بعد الخمسين في استثمار طاقات الشباب ” ..أي الكبار للإدارة والشباب قوة دافعة للعمل.
هامش٢..الشباب مسكونون بالأحلام غالبا والمشروعات الصغيرة ليس ضمن قائمة طموحاتهم الطوباوية، لذا الكبار هم رواد الأعمال الحقيقيين الذين يجب أن نعتمد عليهم.