د .عصام تكروري يكتب : بين رؤوس أطفالنا ... ورؤوس المسؤولين، القملُ عادْ ... حقاً عاد
بحسب تقرير نُشر حديثاً، تشهد مدارس دمشق ـ حيث يُدرس أولاد الطبقة الفقيرة ( حوالي 90 % من السوريين) ـ عودة "مُظفرة" للقمل. ظاهرياً الأمر له علاقة بقلّة النظافة، لكن سببه الحقيقي يكمن ـ برأينا ـ في غياب المنهجية الواجب اعتمادها في إصدار التشريعات وذلك في فترة هي الأخطر بتاريخ سوريا منذ إعلان استقلالها الأول عن المُحتل العثماني في الثامن من آذار عام 1920.
غياب المنهجية الحكومية في وضع التشريع ( قانون ، مرسوم، لائحة ، قرار إداري ..) يتجلى في أنّ اقتراحها يتم بمعزل عن أركان أربعة: الركن الأول هو الدراسات العلمية الدقيقة التي يقوم بها فريق من المختصين، و تتناول المُشكلة المُراد معالجتها بالتشريع. الركن الثاني هو التنسيق مع كل الوزارات المعنية بالمشكلة إما مباشرة، أو تلك التي يكون من شأن الآثار المترتبة على التشريع التأثير سلباً على عملها فقرارات رفع أسعار المواد الغذائية ـ مثلا ـ ليس من شأن وزارة "حماية المستهلك " لوحدها ـ على النحو الحاصل اليوم ـ بل يؤثر على عمل وزارات الصحة و الشؤون الاجتماعية و العدل كونه يحمل ميزانياتهم عبئا إضافيا. أما الركن الثالث فهو التشاور مع الفواعل الاجتماعية و الاقتصادية التي هي على تماس مباشر مع المُشكلة على الأرض من نقابات مهنية ومنظمات شعبية وجمعيات أهلية و منظمات مجتمع مدني و غيرها. الركن الرابع هو إلزامية عرض التشريع المُقترح من الوزارة المعنية على مجلس الدولة، واعتبار رأيه ملزما احتراما لمبدأ المشروعية.
غياب الأركان الأربع تلك ـ أو تنحيها ـ جعل كل وزارة تمارس العمل التشريعي وفقا لمنهجية " الجُزر التشريعية " أو عقلية " الخصام التشريعي" حتى غزا القمل رؤوس أطفالنا في ظل غياب التنسيق أو " الوئام تشريعي" بين الوزارات التالية : التجارة الداخلية و " حماية المستهلك"، الاقتصاد التجارة الخارجية، الصناعة ، المالية ، الصحة ، الشؤون الاجتماعية و العمل و ذلك كما استنتجت ـ و ستستنجون ـ من قراءة التقرير المعنون "عودة القمل إلى مدارس دمشق"
كلمة أخيرة: ما كان للقمل أن يصل لرؤوس الأطفال لو عملت بمنهجية تشريعية رؤوس المسؤولين، و ما أخشاه أن تكون آفة القمل أرحم العائدين.