زياد غصن يكتب : سخرنا كل الإمكانيات لضبط سعر الصرف... وتحقق ذلك، لكن الغلاء لم يتوقف يوماً!! الصرف ثابت.. والتضخم يرتفع!
قبل حوالي ستة أشهر، وضعت الحكومة، والتي جدد لها لاحقاً، خيارين للتعاطي مع تقلبات سعر صرف الليرة، والذي كان يشهد آنذاك إنخفاضاً مفاجئاً.. وكبيراً.
الخيار الأول كان بإبقاء الوضع على ما هو عليه لجهة وضع السيولة النقدية في السوق المحلية، وما يعنيه ذلك من إمكانية حدوث إنخفاض جديد في سعر الصرف ينعكس سلباً على مستويات أسعار السلع والبضائع المعدة للإستهلاك المحلي... وفي هذا الخيار سيكون المستفيد هو قطاع الأعمال الذي سوف يحافظ على نشاطه، والخاسر سيكون الفقراء وأصحاب الدخل المحدود.
أما الخيار الثاني فيتمثل في "مسك" السيولة النقدية من خلال عدة إجراءات أبرزها تحديد سقف السحوبات اليومية للمتعاملين من المصارف، ومنع نقل مبالغ نقدية بين المحافظات تزيد على حد معين، إضافة إلى ملاحقة تجار العملة والمضاربين في السوق الموازية...
هنا سيلحق الضرر بقطاع الأعمال من خلال الحد من نشاطه، لكن يفترض أن يكون المستفيد هو شريحة الفقراء وأصحاب الدخل المحدود مع الغاية الجوهرية من هذا الخيار، والمتمثلة في استقرار أسعار السلع والمواد في الأسواق المحلية...
لم تتردد الحكومة آنذاك في الإنحياز إلى الخيار الثاني لإعتبارات عدة أبرزها أن الفقراء وأصحاب الدخل المحدود سيكونون بمنأى عن أية هزات سعرية جديدة، وأن البلاد بمختلف قطاعاتها غير قادرة على تحمل تبعات انخفاض جديد في سعر الصرف...
فما الذي حدث بعد ستة أشهر تقريباً؟
النتيجة الأولى أن سعر الصرف حافظ على استقراره رغم بعض "الهزات" البسيطة، وهذا حدث جيد بالطبع..
النتيجة الثانية وكما كان متوقعاً، فقد تأثر نشاط القطاع الخاص والأعمال، وثمة حديث عن تراجع الإنتاج وحدوث خسائر مباشرة..
لكن.. كل ذلك لم يمنع أسعار السلع والبضائع من الإستمرار في الارتفاع خلال الفترة الماضية، ويمكن التأكد من خلال مقارنة أسعار السلع في شهر نيسان الماضي مع أسعارها في الوقت الحاضر...!
إذاً... ما الفائدة؟
لاشك أن ضبط سعر الصرف هو ضرورة اقتصادية، لكن ذلك يجب أن يتم من دون تسخير كل الإمكانيات الاقتصادية لفعل ذلك أو التسبب بـ"تباطؤ" النشاط الإنتاجي والخدمي، والدليل ما حدث خلال الأشهر الماضية.
النقطة الأخرى أن الإجراءات الحكومية التي اتخذت في سياق الخيار الثاني لم تكن مضبوطة، بمعنى أنها كانت تشهد حصول "مفاجآت" غير متفق عليها، لاسيما فيما يتعلق بالغاية الرئيسية المتعلقة بضبط معدل التضخم.
من بين تلك "المفاجآت" مثلاً قرار منع الاستيراد بعض السلع، رفع سعر مادة الفيول، زيادة الحكومة لأسعار السلع والخدمات المدعومة وغير المدعومة.. وغير ذلك، وهو ما تسبب بزيادة التضخم أكثر فأكثر... أي كما يقول المثل الشعبي "كأنك يا زيد ما غزيت"!
يعترف محمد الحلاق عضو غرفة تجارة دمشق، ومن خلال مشاركته بأعمال اللجان الحكومية العليا، أن هناك جهوداً تبذل في بعض الملفات، لكنها جهود مبعثرة، إذ لا تنسيق بين الوزارات والمؤسسات المعنية، ولهذا نرى هذا التناقض في القرارات والنتائج.
والعمل؟
باختصار نحن اليوم بحاجة إلى نائب للشؤون الإقتصادية يتم اختياره بعناية شديدة من بين الخبرات والكفاءات الوطنية، ويعطى صلاحيات تخوله ضبط أداء وعمل الوزارات المعنية والتنسيق بين السياسات الإقتصادية بحيث تتكامل مع بعضها لا أن تتعارض كما يحدث حالياً... والأهم أن يقود حواراً وطنياً مع جميع النخب الوطنية الإقتصادية في الداخل والخارج للخروج بحلول للأزمة الإقتصادية التي تعيشها البلاد، والتي تتحمل الإدارة في جانب هام منها مسؤولية حدوثها واستمرارها