عبد الفتاح العوض يكتب: إصلاح الإصلاح
أقدم محاولات الإصلاح في العالم العربي كانت – وفي هذا غرابة – تتعلق بتجديد الخطاب الديني.. كان السؤال الأبرز لماذا تقدم الغرب وتأخر الإسلام؟! والسؤال على تنويعاته وضع نصب عينيه أن الدين يغيّر كل شيء وأن الغرب عندما استطاع أن يضع الدين في مكانه والدولة في مكانها بدأ التطور إلى ما وصل إليه.
والأهم من ذلك أن أول دعاة تجديد الخطاب الديني بل أول ما يطلق عليهم رواد النهضة كانوا من الشيوخ الذين حصلوا على المشيخة في بلاد الإسلام ثم عاشوا في بلاد الغرب.
الأسماء معروفة وهي وإن غطى عليها الزمن إلا أنها كانت واضحة في الدعوة للإصلاح دون أن تختلف كثيراً حول معاني الإصلاح إلا أننا نتفق على جوهره.
ليس لأحد الآن وبعد كل محاولات تجديد الخطاب الديني وتلك الأشياء التي تناقش على جوانبه من التقريب بين الأديان وبين المذاهب أو ما تم تسميته مراجعات فكرية إلا أن جميعها بلا استثناءات باءت بالفشل، وبقي منها بقع مضيئة استطاعت أن تجاهر بخطاب متوازن لكنه مقارنة بمساحة الدين بقي محدود الأثر والتأثير.
ولعل أسوأ أخطاء المتحدثين بالتجديد الديني أنهم ذهبوا إلى «النص المقدس» وليس إلى تفسيراته. وفي هذا كلام كثير وكله يصل بنا إلى نتيجة واحدة أن خطاب التجديد لم يصل إلى مبتغاه وأنه بقي محصوراً في بضعة كتب تداولها مثقفون في بعض ندوات وانتهى أمرها ضمن هذه الحدود.. في المرحلة الثانية كان الحديث عن الإصلاح الاقتصادي، وبدا واضحاً أن معظم الدول العربية تبنت برامج إصلاح اقتصادي، وقد تشابهت هذه الخطط كما لو أنها نسخت من مصدر واحد. وبدا واضحاً أن انهيار الاتحاد السوفييتي وما عاناه من التحول عن الفكر الاشتراكي كان الدافع الأكبر وراء تبني طروحات اقتصادية غربية تم إدخال تفاصيل محلية عليها كي تبدو كما لو كانت برامج إصلاح وطنية بحتة.
الذي حدث أن هذه المشاريع الإصلاحية لم تتمكن من تحقيق ذاتها وفي غالب الدول العربية لم تتمكن من إنقاذ نفسها من أصحاب المصالح ومن أعداء التغير.
إلا أن ثورات الفوضى كانت خاتمة لهذه المحاولات، وربما لو أتيح لبرامج الإصلاح وقت أطول لكانت أقنعت أن الإصلاح لا ينتج رابحاً وخاسراً بل يجعل الدولة رابحة بكل من فيها.
الآن.. لا أحد يتحدث عن الإصلاح الاقتصادي فقد أصبح ذا سمعة سيئة لأنه ارتبط بمفاهيم تحرير الأسعار ورفع الدعم وتغول الشركات الكبرى والأهم بالنسبة للدول العربية أنه لم يعد ممكناً دون أدوية شديدة المرارة لا يشرب منها إلا الفقراء.
ثالث نوع من الإصلاح أخفق إخفاقاً ذريعاً هو الآخر وهو الإصلاح المجتمعي.. ونتحدث هنا عن منظومة متكاملة تبدأ من التعليم إلى أن تمر بالعمل ويغلفها في كل وقت منظومة قيم وأخلاق مجتمعية، وحال العرب الآن في هذا الجانب واضح لكل ذي عين.. فالأمراض الاجتماعية تتمدد عمودياً وأفقياً، كذلك لم نشهد إصلاحاً سياسياً ولم تتوافر أحزاب أو بنى تنظيمية قائمة على أفكار مرتبطة بالناس.
لماذا أخفق الإصلاحيون…. سؤال أصعب من أن تجيب عنه هذه الزاوية لكن برأيي الشخصي أن الإصلاح لم يكن تطوراً عاماً في المجتمع ولم يكن فعلاً تراكمياً يبنى على أساسات صلبة بل كانت محاولات منها أشبه بالقفز في الهواء، لكن الضربة الأقوى للإصلاح كانت من ثورات الفوضى حيث تحالف خليط من الحمقى والخونة وأصحاب المصالح.
ألم يعد هناك مجال للإصلاح..؟! على العكس تماماً بعد الحروب تفتش الدول عما جرى وتبني قلاعاً جديدة تمنع تكرار ما حدث.. وواحدة من هذه القلاع إصلاح الإصلاح.
أقوال
– من عجز عن إصلاح نفسه، فكيف يكون مصلحاً لغيره؟
– تنازلوا عن دوركم في إصلاح الناس وأصلحوا أنفسكم.
– في سن الثامنة عشرة يفكر المرء في إصلاح العالم، وفي سن الثلاثين يفكر في إصلاح وطنه، وفي الأربعين يفكر في إصلاح منطقته، وفي الخمسين يفكر في إصلاح بيته، أما في الستين فيفكر في إصلاح نفسه فقط.