زياد غصن يكتب : مرة أخرى... المازوت؟
تعديل جديد على أجور النقل، هو الثاني منذ قرار حكومة عرنوس الأولى زيادة سعر مادة المازوت في شهر تموز الماضي.
مبرر التعديل، وفق تصريحات مسؤولي النقل في المكاتب التنفيذية للمحافظات، أنه جاء استجابة لشكاوى السائقين، الذين احتجوا على عدم عدالة الزيادة، التي أُقرت بعد رفع سعر ليتر المازوت مؤخراً، فكان أن صدر قرار لوزير التجارة الداخلية السابق قبل رحيله بتعديل نسبة الزيادة الأولى!
الحادثة تثير قضية هامة، تتعلق بواقعية دراسات التكاليف التي تعدّ من قبل الجهات الحكومية، وتبنى عليها قرارات تؤثر على الوضع الاقتصادي والمعيشي في البلاد.
إذ إن تعديل أجور النقل مرتين خلال عدة أيام فقط، يثبت أن الدراسة التي أجرتها وزارة التجارة الداخلية، والخاصة بنسبة مساهمة المازوت في تكلفة النقل، والتي بناء على نتائجها اتخذ قرار زيادة سعر المادة مؤخراً، كانت دراسة غير صحيحة!
والسؤال: لماذا غير صحيحة؟
هناك احتمالان للإجابة:
إما أن الوزارة لا تملك الإمكانيات الفنية والعلمية اللازمة لإجراء مثل هذه الدراسات على بساطتها، وتالياً فإنه في هذه الحالة يفترض مراجعة كل دراسات التكاليف السعرية الصادرة عن الوزارة، لأنها باتت محل شك!
أو أن الوزارة قدمت دراسة، كان هدفها الوحيد الدفع باتجاه اتخاذ قرار زيادة سعر مادة المازوت، أي أنها ببساطة قامت بعملية تزييف أو تضليل للواقع، لتوفير الذريعة لتوجه حكومي معين..!
كلا الاحتمالين فيه من الخطورة على الوضع الاقتصادي والحالة الاجتماعية للمواطنين، ما يستدعي فتح تحقيق موضوعي حول الأسباب التي جعلت وزارة التجارة الداخلية تقدم دراسة غير صحيحة، تسببت لاحقاً بتفاقم أزمة النقل.. والأهم وضع صاحب القرار في صورة معلومات خاطئة!
وهذه ليست المرة الأولى التي تمارس فيها وزارة التجارة الداخلية عملية "التضليل"، إذ في الوقت الذي كانت فيه الطوابير على المخابز على أشدها، كان مسؤولو الوزارة يخرجون على وسائل الإعلام المحلية، ليعلنوا أنه ليس هناك طوابير، أو أن هناك كميات فائضة من إنتاج الخبز!
لذلك، فإن جلّ ما أتمناه من الوزير سالم، إن كان جاداً في مساعيه لتطوير هذه الوزارة ودورها، أن يوقف ظاهرتين:
الأولى؛ شرعنة الوزارة لظاهرة الغلاء المستمر عبر بوابة لجان التسعير ودراسات التكاليف غير الموضوعية. ووقف هذه الظاهرة يحتاج إلى إجراءات داخلية على مستوى الوزارة، وإجراءات أخرى على مستوى مجلس الوزراء، تجبر بعض المؤسسات الحكومية على وضع ما لديها من معلومات بتصرف المؤسسات الأخرى.
الثانية؛ الشفافية في التعاطي مع الأزمات والأوضاع الاقتصادية المعنية الوزارة بها، إذ إن سياسة تجميل الواقع، إخفاء المعلومات، وإطلاق الوعود، قد أوصلت البلاد إلى حالة مخيفة من تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.
قد يسأل البعض: وماذا عن ملاحقة الفساد والفاسدين؟
عندما يتمكن الوزير الجديد من وقف الظاهرتين المشار إليهما أعلاه، فإن جزءاً ليس بالقليل من الفساد سيتوقف... وهذا في حد ذاته إنجاز في مرحلة تغيب فيها المحاسبة والمساءلة.
المشهد