لماذا وضاح عبد ربه يشكر ترامب..؟
لا يمكن لأي رئيس أميركي أن يكون أكثر وضوحاً وشفافية ودهاء، من دونالد ترامب، فالرجل يقول كل ما يضمره من دون أي إحراج، ويفعل كل ما يريده من دون أي خجل.
منذ أيام كان يسخر من مشيخة قطر وبحضور أميرها، والأخير كان يكتفي برسم ابتسامة، مستسلماً وعاجزاً أمام سخرية سيده المقيم في البيت الأبيض.
ابتسامة تميم تذكرنا بمشهد الذليل محمد بن سلمان «الرجل المنشار»، حين كان بذات الموقف، ودونالد ترامب يعدد المليارات التي سينهبها من السعوديين، حاملاً لوحات دوّن عليها كل ما سيبيعه للمملكة وقيمته!
ترامب بلا شك رجل ذكي، ويدرك تماماً من خلال تعامله مع دول الخليج، أنه يتعامل مع محميات واجب عليها تسديد تكاليف الحماية أولاً، ودعم «الرئيس السيد» وتلبية كل طلباته بغض النظر عن تكاليفها ومضمونها.
ترامب يلعب على خلافات الأمراء، فتارة يدعم محمد بن سلمان أو يهدده بقضية اغتيال جمال خاشقجي، ويلزمه بدفع مئات المليارات من جديد، وتارة يستقبل تميم بن حمد ويصفه بالحليف «العظيم» فيسدد له الأخير أيضاً المليارات! الأول يريد أن يصبح حاكماً للسعودية، والثاني يريد حماية أميركية مطلقة من «رفاقه» في الخليج الذين فرضوا عليه حصاراً خانقاً، سارعت واشنطن لتخفيفه، بل أفشلته من خلال عدة إجراءات كبحت «الأشقاء» الأمراء عن خنق المشيخة الصغيرة، ومن إجراءات ترامب الاستثنائية لإنقاذ تميم، كان السماح له، من دون دول العالم كافة، باستمرار التعامل مع إيران، كونها الرئة الوحيدة التي باتت تتنفس منها قطر.
زجت الإدارة الأميركية بالسعوديين والإماراتيين في حرب اليمن وما يسمى بـ«عاصفة الحزم»، وتوهم الأمراء أن حربهم برعاية أميركية وبمثابة نزهة يتدربون خلالها على الأسلحة التي يكدسونها، ليتضح لهم فيما بعد أن حربهم لا هدف منها سوى شراء المزيد والمزيد من السلاح الأميركي، وتحولت العاصفة من الحزم إلى «العار والخزي»، وإلى انهيار اقتصادي، ومئات القتلى، وتهديد مباشر للعواصم والمدن في السعودية والإمارات، اللتين باتتا تبحثان عن مخرج، أو مهرب، من مستنقع استنزف أغلبية مقدرات الخليج ويكاد يفلسها.
مناسبة الحديث، هي الوقاحة التي باتت تتعامل معها الإدارة الأميركية، وترامب تحديداً، مع محميات الخليج، وآخرها كان بالأمس حين أرسل سيد البيت الأبيض ٥٠٠ من قوات المارينز إلى قاعدة سعودية، تلبية لـ«دعوة» كريمة جداً من بني سعود إلى الأراضي المقدسة لحماية عرشهم الذي بدأ يهتز على وقع الهجمات اليمنية، وإذا عكسنا ذلك على واقعنا السوري، وأرفقناه بتصريحات المخلوع وزير خارجية قطر الأسبق حمد بن جاسم، يصبح من السهل جداً تأكيد ما كنا نردده منذ سنوات، أن كل ما حصل ويحصل في سورية ليس إلا ترتيباً أميركياً بأذرع خليجية تساندها أذرع سورية خائنة لوطنها.
كل قرش تصرفه دول الخليج لا يتم إلا بإيعاز أميركي، وكل المليارات التي أنفقت في سورية على دعم الإرهاب والاستثمار فيه، كانت أيضاً بتوجيه أميركي مباشر، والهدف جميعنا نعرفه جيداً، تفتيت الدولة وتحويل سورية إلى كانتونات طائفية، وجعل إسرائيل أكبر دولة في الشرق الأوسط، وكل ذلك في إطار تصفية القضية الفلسطينية وتمهيداً لما يروج له على أنه «صفقة القرن»!
تمكن السوريون وحلفاؤهم من إفشال كل مخططات واشنطن، وتابعيها من دول أوروبية، وعلى الرغم من الثمن الباهظ الذي سدد، لا يزال كل سوري متمسكاً بكل حبة تراب من وطنه، وهو لا يقبل في جميع الأحوال أن يتحول إلى عبد عند سيد أجنبي، فهذه ليست ثقافته ولا تاريخه، ولعل اللافت في كل ذلك، كيف يمكن لشعوب بأكملها أن تتقبل هذا الإذلال لأميرها أو ملكها، وهي لا حول ولا قوة لها، مستمرة في تمجيدها للحكام وكأنهم آلهة لا يمكن استبدالهم؟!
اليوم ومن خلال سورية، تعلم كل من يريد أن يتعلم، من عرب وغير عرب، معنى الصمود ومعنى الاستقلال الحقيقي، واكتشفوا زيف الادعاءات التي كان يسوقها بعض «القادة» العرب عن التصدي للسياسات الأميركية، وحرصهم على قضية العرب المركزية، واتضح للجميع مدى عمالتهم ورخص قيمتهم، وقد يكون من المعيب أو العجيب أن يتوجه أي منا بشكر ما لرئيس الولايات المتحدة الأميركية، لكن أعتقد أن شكره واجب، ليس على وضوحه وشفافيته في التعامل مع الأزلام، بل لكشفه مدى انحطاط هؤلاء، «قادة المحميات المعينين»، الذين صنعوا معارضات سورية وأعطوا دروساً في الحرية والاستقلال، وباتوا يتحدثون عن الدساتير ويريدون تعديلها، وهم ليسوا سوى دمى تحركها واشنطن كيف تشاء!
شكراً ترامب، لأنك كشفت زيف هؤلاء الذين قد نراهم في الأسابيع القادمة في سويسرا يوجهون مالهم و«إعلامهم» لدعم «معارضاتهم السورية» في محاولة جديدة لتنفيذ أجندة سيدهم الأميركي.
سيفشلون كما فشلوا سابقاً، وسيثبت السوريون مجدداً أنه ما من أحد يقرر مصيرهم، فهم باتوا عنواناً للصمود والكبرياء، ويدركون جيداً كل ما يحاك ضدهم.