من دفتر الوطن.. عبدالفتاح العوض يكتب.. اعترافات
شيء ما في هذا القلب يؤلمك. وشيء ما في ذات القلب يفرحك. تجتاحك الأشياء من هنا وهناك، صفعات على هذا الخد وقبلات على الخد الآخر. ذات صباح تشرق روحك قبل أن تشرق الشمس. صباح آخر يأخذك إلى كهف حزن وظلام. يوم ما تقفز وكأنك تريد أن تلمس السماء. يوم لا يشبهه تشعر بأن كل ما يجري في هذا العالم لا يستحق أن تحرك له إصبعك! ليال تسهر مع الملائكة وتحدثهم، بل تحدث اللـه تشكو إليه همّاً أو تشكر له نعماً. ليال أخرى تعطي محاضرات «للشياطين» ويغطيك سواد الإثم من رأسك إلى قدمك! في لحظات كثيرة يخيل إليك أن هؤلاء الناس حولك هم ورد وأزهار أرسلها لك الكون هدية لقلبك. في لحظات أخرى وربما كثيرة أيضاً تتجنب أن تصافح أياً منهم كي لا يتلوث قلبك. أيام سود أحياناً تواجهها بوجه أبيض تشعر أن أيوب كان أحد أجدادك، ثوان سود أحياناً تهتز منها وفيها كما لو أنك قشة في ريح عاصف! أيام بيض تراقص فيها الفرح وتقهقه لك الأيام، لا يضخ قلبك فيه دماً، بل سعادة مترفة بالشقاوة. أيام أخرى، يمر الفرح أمامك فتسأله إن كنت تعرفه يوماً، وجهه غريب مثل ضحكة في مأتم. في كل مرة نتلقى درساً قاسياً من الحياة، وفي كل مرة نسقط في حفرة نقسم أغلظ الأيمان إننا لن نسمح بتكرارها، وفي كل مرة نثبت أن أغلظ الإيمان لا يمكننا الوفاء بها. من يشبه هذا الكائن؟ الذين رفعوا أصابعهم كثر، ونحن كثر لأسباب كثيرة. لعل مثل هذه المشاعر المتناوبة التي تحدث لكل البشر ليست خاصة بأحد، لكن الذين «روضوا» أنفسهم أو جلسوا على كراسي الحكمة قلة. ثم نحن الذين عشنا المآسي نفسها نعاني الأعراض نفسها. في قراءات علم النفس هذه خلطة من بدايات الاكتئاب إلى شخصية مزاجية، إلى حالة عدم اليقين ثم إذا أردت أن تنظر إلى النصف المملوء من الكأس فهذه بعض صفات الإبداع، وإذا أردت أن تنظر إلى النصف الفارغ تقول «اضطرابات نفسية وجدانية». الدكتور عماد فوزي شعيبي عندما وضعت أمامه هذه الحالة على أنها شعور وسلوك كثير من السوريين في هذه الفترة كتب لي مشكوراً تحليلاً «نفسياً» أقتطف منه: (في مراحل الحروب وما بعدها تستشري حالة انعدام الأمل، وانعدام الأمل لدى الفرد هو ركن أساسي ومهم جداً في ظهور الاكتئاب الفردي والجمعي، فالبشر يعيشون على الآمال، لكن الحروب وغالباً الطويلة منها تُرسي فقداناً واسع الطيف للأمل. وهنا يبدأ الاكتئاب الجمعي والفردي، وهما من أخطر الدوافع للقنوط وعدم الفاعلية، الذي قد يترافق مع متلازمة الاحتراق النفسي). التحليل يتحدث عن فقدان الأمل والاكتئاب لكن د. شعيبي يقدم الحل: ولعل الحب ومترافقاته أحد أهم مُحفزات تجاوز الاكتئاب (الجمعي) الناجم عن النكروفيليا «حب الموت»، كما القيام بمشاريع اقتصادية مُحفّزة ومنح الآمال العريضة بمكافحة الفساد الذي يزداد مع الحروب والأزمات (وبناء نموذج أخلاقي مُحتذى به). بعيداً عن كل شيء تبدو حياة الإنسان مثل الفصول صيف وشتاء وربيع وخريف لكن على ما يبدو طال شتاؤنا، وكذا مثل الطبيعة بحر وسهل وغابة وجبل وصحراء، ولكل منها جماله وتميزه.