من دفتر الوطن.. عبد الفتاح العوض يكتب.. الآخرون هم الشياطين
المقولة الشهيرة الآخرون هم الجحيم. لاحظوا كيف نتعامل مع الآخر.. عندما يخطئ شخص ما فإننا نتعامل مع هذا الخطأ بكل قسوة لكننا عندما نخطئ الخطأ ذاته، فإننا نتساهل مع أنفسنا ونحاول تبريره وإيجاد الأعذار لأنفسنا ونذهب أبعد من ذلك عندما يقوم شخص ما، ولنقل مسؤول ما، بإعطاء مزايا لأقاربه، فإننا نتعامل مع الموضوع على أنه استغلال للمنصب على حين لو قام أي منا بالعمل نفسه فإننا نسمي ذلك صلة رحم.. كذلك لو قرب مسؤول ما أصدقاءه ووزع إليهم بعض المزايا فإننا نصف ذلك بكل النقائص المتوافرة، على حين لو قام أي منا بالسلوك ذاته فإننا نصف ذلك بأنه نوع من الوفاء. في كل حياتنا الاجتماعية والعامة نجد أنفسنا في حالة انتقاد للآخر وتأخذ عملية النقد قسوة من نوع جارح، وربما تتابعون الآن ما يجري على صفحات الفيس بوك عندما يقع أحد ما في ورطة ما. نتحول إلى جلادين على حين كل منا فيه كثير من النقائص المغطاة بكثير من القشور. ما السبب في تعاملنا مع الآخر بقسوة؟ قبل أن أتحدث عن الآخر في العقل العربي يمكن القول: إن جدلية أنا والآخر هي جدلية عالمية ولسنا وحدنا الذين يعانون هذه الجدلية.. الفليسوف الفرنسي باسكال يقول إن علاقة الذات مع الآخر تتضمن خاصتين: الأولى الحذر من الآخر فهو محل شك والخاصية الثانية أن الآخر مصدر تهديد. وجان بول سارتر هو القائل الآخرون هم الجحيم.. العقل العربي تعامل مع الآخر في مراحل سابقة على أنه «العدو»، في السلوك القبلي يشكل الآخر الطرف الثاني في عملية الغزو إما المعتدي وإما المعتدى عليه وفي الحالتين هو مصدر الأذى.. ثم أصبح الآخر هو «الكافر والوثني» أو الذي يعيش في دار الكفر. وفي العصر الحديث تم التعامل مع الآخر على أنه المتقدم، ومن هنا أصبح السؤال الدائم في فكر النهضة لماذا تأخرنا وتقدم الآخرون؟ لا أريد أن أثقل عليكم بالتنظير في هذا الموضوع، لكننا حتى الآن لم ندرك الآخر بالنسبة لنا رغم محاولات خجولة من هنا وهناك، لعل واحداً من الأمثلة عليها مقولة إيليا أبو ماضي: يا رفيقي أنا لولا أنت ما غنيت لحنا لكن الواضح أننا لم نتعلم دروس الحضارات جيداً أن الآخر هو أنا بالنسبة للآخر وأن تبادل المنافع هو القانون الذي قامت عليه كل الحضارات المتقدمة. وكل ما يجري من قسوة من تعاملنا مع أخطاء الآخرين يعبر عن أمراض في دواخلنا لم نشف منها بعد على حين نتساهل مع أنفسنا ونقدم لها كل الأعذار. لا شك أن الآخر لم يكن ملاكاً وإذا كان الأمر مع تصارع المصالح فإن منطقتنا عانت وما زالت من الآخر، وكل المآسي التي نعانيها كان للآخر دور واضح بها، لكن لا أجد مبرراً للقسوة مع الآخر الذي يشبهني بحزني ومعاناتي وألمي. أقوال من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ. ابن المقفع ليس الانتصار أن تتغلب أو تلغي الآخرين بل الانتصار ألا يستطيع الآخرون العيش بعيداً عنك. الاختلاف بالرأي ينبغي ألا يؤدي إلى العداء وإلا كنت أنا وزوجتي من ألد الأعداء- غاندي لا تستغرب إذا تغير أحد عليك، فالشيطان كان ملاكاً! الوطن