من دفتر الوطن.. عبد الفتاح العوض يكتب.. العالم بين يديك!
قد يخطر على بالك أنها عبارة لإعلان يخص إحدى شركات السياحة والسفر، أو ربما لإحدى شركات الطيران تقدم لك إغراء جعل العالم بين يديك. ربما هي وسيلة إعلامية تريد أن تقدم نفسها على أنها جاهزة لتجعل أخبار العالم بين يديك. أيضاً ربما هي مجرد كلمة غزل من عاشق يبدع في الوعود وغالباً ما يفشل بتنفيذها. لعلكم تلاحظون أن أسرة أو مجموعة من الأصدقاء يلتقون في أحد المطاعم وغالباً سيكون معظمهم كل نظره بين يديه وبالتحديد يعيش مع «عالم الموبايل».. أو الموبايل الذي أصبح عالماً. هل هذا التغيير الذي حدث في حياتنا وأصبح الموبايل هو «المحور» الرئيس مجرد تغيير اجتماعي؟ في معظم الأحيان يتم التركيز على الجوانب الاجتماعية، ولعل أكثر التعابير قدمت إيحاء خطيراً هو التسمية التي تم إطلاقها على مواقع النت بأنها «مواقع تواصل اجتماعي»، وبظني أن هذه التسمية قدمت بصورة لطيفة، وبالتالي دخلت إلى الحياة اليومية تحت عنوان مقبول ومرغوب فيه، فمن منا لا يرغب فعلاً في التواصل الاجتماعي؟ وحتى عندما بدأنا نلمس الآثار الأخرى لهذا العالم من التواصل الاجتماعي اكتشفنا مبكراً أنها وسائل «الانفصال» الاجتماعي، فهي فصلت الفرد عن محيطه القريب وأغرقته في المحيط الغريب. رغم كل هذا التركيز على الجوانب الاجتماعية لتأثير «الموبايل» وما يحويه في الجانب الاجتماعي.. فإن الأحداث تبين لنا أن الجانب السياسي والفكري في «الموبايل» كجهاز يضع العالم بين يديك ويضعك أنت في هذا الجهاز «الصغير»، هو الجانب الأكثر تأثيراً والأكثر خطورة. أتحدث هنا عن «الموبايل» بصفته جهازاً للاتصال مع النت وكاميرا توثق وليس مجرد مكالمات اتصال ورد.. هذا الجهاز حول كل شخص لصاحب وسيلة إعلامية.. ونقل مركز ثقل التأثير من النخب إلى طبقة أصحاب الحاجات.. من الأغنياء إلى الفقراء ومن المثقفين إلى الأشخاص العاديين. لكن وهنا نقطة مهمة هذا الإنتاج السياسي والفكري قابل للفبركة والتزوير والتضليل.. وبالتالي قابل للاستغلال السياسي من جهات لديها القدرة على التدخل والتأثير. وهناك دول تتهم دولاً أخرى بالتدخل في توجيه الرأي العام من خلال وسائل التواصل «الاجتماعي». في سورية لدينا تجربة ثرية في هذا الموضوع، لقد تم خلال سنوات الحرب وخاصة في السنوات الأولى استخدام «الموبايل» في المعركة بطريقة مؤثرة.. ولا يمكن لأحد أن يتجاهل الآثار التي ترتبت على التعابير والمفردات والأفكار التي تم تسويقها عبر «الموبايل»، أيضاً نلاحظ الآن فيما جرى في دول العالم ومؤخراً فرنسا ومدى الاستخدام الخاص «للموبايل». فأنت ترى كل الأطراف تحاول أن تروج ما يحدث وتقدم الرسائل السياسية وغير السياسية. إن فكرة أن العالم يتحول إلى قرية صغيرة أصبحت قديمة.. بل العالم يتحول إلى جهاز صغير.. مجرد جهاز صغير لكن هذا الجهاز لا يضع العالم بين يدينا.. بل يضعنا نحن بين يديه وتحت نظره.