البعث الكهل
عبد الفتاح العوض
اليوم 54 سنة من عمر البعث في السلطة.
ولا يمكن الحديث عن سورية بعد الاستقلال إلا والبعث الجزء الرئيسي من المشهد.
القسم الأكبر صراحة أو مجاملة.. صدقاً أو كذباً يرى أيادي بيضاء لحزب البعث توزعت على الفئات الفقيرة في سورية.. فقد تسلم السلطة القادمون من الريف.. والقادمون من بيئات فقيرة أو شبه فقيرة في أحسن الأحوال.. وتحولت سورية إلى بلد له الكلمة الفصل في المنطقة وانحازت سورية للضعفاء والفقراء والكادحين.
وآخرون وإن كانوا قبل آذار 2011 قلة إلا أن صوتهم أصبح أعلى بعد آذار 2011، يرون أن البعث هو الذي أوصل سورية إلى ما هي عليه، وإن الخيارات التي سار عليها البعث كانت الطريق الذي يوصل إلى هذه النتائج.
بين الرأيين.. تكمن الحقيقة:
حتى الآن ورغم كل انفتاح العالم العربي على الأفكار الجديدة، وإزالة الحواجز عن كل رأي جديد إلا أن الفكر العربي السياسي لم ينتج حتى الآن إلا أربعة مسارات.. الإسلام السياسي، الفكر الشيوعي، القومية العربية.. والليبرالية.
كل الأحزاب على الساحة العربية لم تستطع أن تقدم إضافة تمزج بين اثنين.
القومية العربية والبعث هو قصة النجاح المميز في الوصول إلى الحكم في بلدين عربيين يمثل حالة خاصة في كونه لم يحارب الإسلام بل اعتبره «حاملاً» أساسياً للعرب، وكذا لم يذهب بعيداً في مجاراة «للشيوعية» من جهة مراهقة «الاشتراكية». بمعنى أنه لم يتحول إلى حزب اشتراكي مراهق..
.. لكن السؤال لماذا لم يستطع الحزب أن «يتغير» أو أن يجاري التغيرات في العالم؟ لماذا لم يستطع أن يصنع مجموعة من مثقفي الفكر.. بل نجح في تدجين المثقفين وتحويلهم إلى متسولي سلطة على أبواب ذوي السلطة؟
منذ فترة طويلة والحديث يدور بصوت مسموع عن ضرورة أن «يطوّر» الحزب نفسه.
لكن هذه «الأصوات» بقيت أحاديث عابرة لم يتحول منها شيء إلى ساحة التطبيق.
لقد «عجز» البعث عن التغيير ولم تستطع كل هذه الزلازل التي ضربت سورية والمنطقة أن تعيد إليه القدرة على مجاراة ما يحدث به وحوله. والآن وسورية مقبلة بلا أدنى شك على حياة سياسية يكون فيها إلى جانب البعث منافسون بقوى مختلفة فإن التغيير في البعث ليس مجرد خيار.. ولا يمتلك البعث رفاهية البقاء في «كما هو» فعليه أن يعود إلى الشارع بلغة وفكر يعيد الشارع اليه أيضاً.
وهذا يحسب للبعث ورغم كل شيء أنه ما زال في صفوفه نحو «مليون» عامل ونصير ثلثهم من الأنصار العاملين وهؤلاء الذين ثبتوا عضويتهم وأكدوها من جديد.
إن كل الظروف الآن تساعد البعث لحجز مكان مهم في مستقبل سورية مثلما ساعدته ليكون في ماضيها وحاضرها.
وهذه الظروف الآن جد مناسبة لأن المنافسين ليسوا إلا هياكل هشة بلا مضمون.
حتى الآن لا يوجد في سورية أحزاب لها وزن فكري أو شعبي ومن ثم فليس من الصعوبة على حزب البعث أن يرمم نفسه وأن «يبعث» بالبعث روحاً جديدة قادرة على فعل شيء مميز.
أقوال:
• ليست الحكمة بل السلطة هي ما يصنع القانون.
• الخطر الرئيسي في العصر الحالي هو قلة من يجرؤون على أن يكونوا مختلفين.
• إذا لم يكن نظام حكمك قوياً بالدرجة الكافية ليتحمل مزحة، إذاً فأنت ليس لديك نظام حكم.
"الوطن"