قانون رأس السنة
عبد الفتاح العوض الدراسات تتفاءل بزيادة متوسط أعمار البشر.. الآن يتحدثون عن متوسط أعمار نحو 67 سنة.. أعلى معدلات تتجاوز 82 عاماً لكثير من دول العالم المتقدم، وأقل معدل أعمار يقف عند حدود 45 سنة في دول أفريقية. سورية ما قبل الأزمة معدل الأعمار 74 سنة، السوريات يعمرن أكثر من 76.1 سنة، على حين الذكور 71.7 سنة، لكن الحرب بالتأكيد جعلت الأمر مختلفاً ولم تصدر بعد أرقام جديدة حول هذا الموضوع، ومن ثم لا يمكن التكهن بمتوسط عمر السوري في الوقت الحالي. النقطة التي أريد أن أنطلق منها هنا أن أعمار البشر كأفراد ما زالت قليلة، نحن نتحدث عن 70 إلى 80 سنة، جزء كبير منها خارج الفاعلية. بدايات العمر تكون بالضعف الطفولي والتكوين الحياتي وفي نهايات العمر ضعف الشيخوخة والتقاعد من الحياة وانتظار الآتي. هذه ليست وصلة تشاؤم مطلقاً، هي فقط محاولة للاقتراب من الفكرة الرئيسية التي أريد أن انطلق معكم في مناقشتها، أمام العمر القصير للإنسان ثمة ما يمكن أن نطلق عليها «تقديرات» ضخمة لعمر «البشرية». وحتى الآن لدينا نوعان من التقديرات: واحدة تقديرات بيولوجية علمية ورغم أنها تعتمد على العلم إلا أنها لم تصل إلى رقم محدد وهنا نتحدث عن مليارات السنين. العلم ما زال في هذا الموضوع يسير في حقل مفتوح من التوقعات لكنها كلها تشير إلى أن عمر الإنسان على الأرض موغل بمليارات السنوات. التقديرات الأخرى تستند إلى الكتب الدينية وكل دين له تقديراته، اليهود يعتقدون أن آدم ولد قبل 4000 سنة من ميلاد المسيح.. ابن خلدون معتمداً على الطبري يعتقد أن آدم خلق قبل 6000 سنة قبل الميلاد. هذا الفارق الضخم بين متوسط عمر الفرد وبين عمر البشرية يثير في النفس خواطر كثيرة. الآن والناس تمر من عام إلى آخر وتضيف رقماً إلى أعمارها أو «تنقص» عملياً رقماً من أعمارها يمر في الخاطر كم هو عمر الإنسان قصير، وأن أي واحد منا ليس إلا لمحة بصر لا تكاد ترى في هذا الكون العامر. حتى إن عمر الإنسان كفرد ليس إلا نقطة في كتاب عمر الدول والأمم. قانون رأس السنة بسيط جداً.. لكننا نحن البشر ننساه دائماً، قانون رأس السنة حيث تجتمع النهاية مع البداية.. وإن الحياة دورة تتتالى حالاتها بشكل دائماً، بحيث لا يبقى أي شيء على ما هو عليه، وإن الطبيعة تعلمنا قانون رأس السنة بتتالي الفصول والليل والنهار، وأن نهايات مرحلة هي بدايات لمرحلة جديدة هي نفسها ستنتهي. قانون رأس السنة، أن الأفراد والأمم متشابهان في دورة الحياة. القرآن الكريم يقول «وتلك الأيام نداولها بين الناس» وابن خلدون يرى أن الأمم تمر بمراحل البشر ذاتها من طفولة إلى شباب إلى كهولة ثم فناء. قانون رأس السنة ينطبق على الطبيعة، فصول متتالية بين شتاء وصيف وربيع وخريف، وبين ليل ونهار، مثل حياة البشر بين ضعف وقوة ويسر وعسر. هذه السنة الكونية يعرفها كل البشر، وهذه المعرفة تصل إلى حد الإدراك اليقيني، لكن في تجارب الحياة ننسى هذا القانون، فنظن الليل لا ينتهي، ونتوقع العسر لا يمر، ونتصرف كأن القوة لن تفارقنا. لا أدري كيف يتم تناسي قانون رأس السنة الذي يذكرنا دوما أن النهايات ستؤدي بنا إلى بدايات، وكذا البدايات ستؤدي بنا إلى نهايات في دورة تتكرر مع كل البشر منذ آدم، قانون رأس السنة هو تذكير بأن حياتنا غروب وشروق، وكل شروق وأنتم بخير.