الشرق أجمل بلا أميركا
عبد الفتاح العوض لا يوجد شخص يعيش في هذا الشرق إلا والولايات المتحدة نغصت عليه حياته بشكل أو بآخر.. ما بعد الحرب العالمية الثانية والمنطقة تعيش وفق المزاج الأميركي… قد لا يكون تعبير «مزاج» صحيحاً تماماً لكن الواقع يؤكد أن المنطقة تعيش على وقع «السلاح» الأميركي وعلى خطا الاقتصاد الأميركي. المواطنون في الشرق يتأثرون بشكل مباشر بواشنطن ويأكلون «وجبتهم» كما يعدها البيت الأبيض. العلاقة مع الولايات المتحدة تشبه «الاغتصاب». لكن دعونا الآن نفكر بطريقة أخرى، هل الولايات المتحدة الأميركية مقبلة على الهروب من الشرق الأوسط؟ قصة الهروب الأميركي كانت حاضرة بقوة تكاد تتكرر كل عشر سنوات، هربت من فيتنام بالمروحيات من على سطح سفارتها في سايغون، هربت من بيروت، هربت من الصومال، هربت من أفغانستان، وهربت من العراق. وفي كل مرة تهرب فيها تترك نيراناً من الصعب السيطرة عليها وتترك دماء من المستحيل نسيانها. فهل الولايات المتحدة تتحضر لذلك الآن؟ وهل من المغامرة الاستنتاج أن الشرق الأوسط سيكون خالياً من أميركا؟ لا تنسوا أن هذا الأمر بدأ من أوباما، ووقتها نشر ما سمي «عقيدة أوباما » فيها حديث عن التحلل من المشاكل في الشرق الأوسط والذهاب باتجاه آسيا وعدم خوض حروب في المنطقة. إذا كنا نعتقد فعلاً أن الولايات المتحدة دولة مؤسسات، فعلينا أن نتخيل أن ما يجري الآن هو عقيدة أوباما بأسلوب ترامب! وأمس أعلن ترامب إستراتيجية الأمن الوطني التي تؤكد ما سبق، فهو تحدث عن نقطتين مهمتين لنا: الأولى هي أميركا أولاً، والثانية وهي الأهم أنه على من يحميهم أن يدفعوا مقابل ذلك، إنه يعلن البيت الأبيض شركة مرتزقة! أميركا الآن على وشك أن تودع المنطقة لأنها على وشك أن تودع مصالحها الاقتصادية فيها، ولعل الشيء المؤكد أننا نتعامل مع دولة «الصفقة» أي الدولة التي لا تفكر بالمبادئ ولا بالأيديولوجيا بل بالمصالح والمصالح الاقتصادية على وجه الخصوص. ويبدو أن المنطقة لم تعد ذات إغراء اقتصادي ليس لضعف إمكانات المنطقة اقتصادياً وخاصة في ضوء الحديث عن «الغاز» بل لأنه من منظور الصفقة، فلم تعد هذه المصالح «رابحة» بما فيه الكفاية. ولعل وعد ترامب بالقدس عاصمة يهودية إنما يشكل إشارة وداع واضحة، بهذا الوعد لن يستطيع أن يكون حاضراً كما كان سابقاً كعنصر راعٍ أو ميسّر أو ضاغط لأي عملية سلام، لكنه يستطيع أن يكون عراب صفقة «سلام» والتاجر في البيت الأبيض. وبهذا الوعد يكون أعطى لإسرائيل ما تريد وما تتمنى مقابل أن يتوقف عن الذهاب بعيداً في تفاصيل «القضية الفلسطينية» التي لم تستطع أي من الإدارات السابقة أن تلعب دوراً إيجابياً فيها، ثم إن مراكز الدراسات الأميركية لم تعد تخفي مصالح أميركا بالابتعاد عن منطقة تحترق أصابعها فيها في كل مرة، إنها منطقة ستجد قائمة كبيرة من الأسباب التي جعلت الرأي الأميركي يسأل «لماذا لا يحبوننا»؟ ابعد من ذلك وأكثر أن الولايات المتحدة وهي تتحضر لوداع المنطقة تركت فيها كل آثارها السيئة، فقد تركت إسرائيل مشعلة الحروب، وتركت رماداً طائفياً قابلاً للثوران في أي لحظة، كما تركت شعوباً تعاني جراحاتها مع ضمادات من روح الانتقام والثأر. المنطقة العربية بلا أميركا، ستكون عالماً أقل عنفاً ومكاناً أفضل عيشاً، أو هكذا نأمل!