لم تكمل بعد عامها الـ13 بالكامل؛ الحديث هنا عن طفلة من مدينة تطوان شمالي المغرب، زُوّجت ليلة السبت الماضي من شاب في الـ30 من عمره، ما أثار استياءً كبيراً على الشبكات الاجتماعية التي تناقلت الخبر، وحاولت حثّ السلطات الأمنية على التدخل لفضّ حفل الزفاف.
قبل قدوم اليوم المشؤوم للطفلة الصغيرة فرح، والذي صادف، يوم السبت 23 سبتمبر/أيلول 2017، حاول أقاربها الذين رفضوا هذا الزواج، حثّ الأم على التراجع عنه، ما دفعهم في النهاية إلى إبلاغ السلطات الأمنية للتدخل، تزامناً مع مناشدات أطلقها رواد التواصل الاجتماعي وجمعيات مدنية وحقوقية، أعلنت استياءها واستنكارها للفعل "المجرّم" قانونياً.
حنّاء وقاعة أفراح!
ويحكي أحد أقارب الطفلة فرح -رفض الكشف عن اسمه لأسباب عائلية- أن إصرار الأم على تزويج ابنتها سببه "الوضع الاجتماعي الصعب"، خصوصاً "أنها أرملة وأم لأربعة أطفال آخرين من بينهم الطفلة فرح".
وبعد أن "تقدم لخطبتها شاب، قررت الأم تزويج طفلتها بالفاتحة والشهود (ببساطة يقرأ الثنائي سورة الفاتحة التي تجمعهما تحت مظلّة الزواج الذي يعتبر عرفياً)، لأن العروس لم تصل بعد سن الزواج القانونية (18 سنة)، يضيف المصدر في تصريح لـ"هاف بوست عربي".
وشدد المصدر ذاته، على أن أقارب الطفلة "رفضوا حضور حفل الزفاف، بعد فشل كل المحاولات لمنع إتمام هذه الزيجة"، وهو ما اضطرهم لإبلاغ السلطات لإيقاف "المهزلة".
وأكد أن الحفل لم يكن بغرض الخطوبة، بل هو "حفل زفاف استمر ليومين؛ يومٌ خُصص للحنّاء أقيم في بيت العروس، ويومٌ آخر للعرس أقيم في قاعة أفراح".
طفلة تحتفي بالحب!
وتناقلت منابر إعلامية أخبار الطفلة العروس بشكل كبير جداً، في وقت حاولت فيه الأم التحايل على القانون والخروج من فعلتها دون محاسبة.
وأفادت مصادر اعلامية بأن السلطات الأمنية حلّت بالمكان الذي أقيم فيه حفل زفاف الطفلة فرح، واستمعت إلى أم العروسة التي قالت إن الحفل مجرد خطوبة برضا ابنتها، في انتظار استكمال سنها القانونية لتزويجها.
كما أوضحت، أن عناصر الأمن استمعوا لأقوال أخرى لأفراد من عائلة العريس، وأكدوا جميعاً أن الحفل "مجرد احتفاء بالحب بين الطرفين".
وفيما لم يصدر بعد بيان رسمي عن ولاية أمن تطوان حتى الآن، يوضح صحة الروايات المتضاربة، قالت مصادر اعلامية أخرى إن الشرطة توصلت إلى أن الأمر يتعلق بزواج تقليدي بالفاتحة، ولَم يكن الأمر يقتصر على حفل خطوبة كما ادّعت الأم.
وأشارت المصادر نفسها، إلى أنه تم تقديم الطفلة والعريس، بالإضافة إلى والديهما إلى وكيل الملك (النيابة العامة)، الذي لم يُوجه إلى أي أحد فيهم أي تهمة حتى الآن، وأمر الشرطة بتعميق البحث في القضية.
الاستثناء تحايل قانوني
ويقر قانون الأسرة (مدونة الأسرة) في المغرب، أن أهلية الزواج تكتمل "بإتمام الفتى والفتاة المتمتعين بقواهما العقلية ثماني عشرة سنة شمسية".
وتنص المادة 16 من نفس القانون، على أن "وثيقة الزواج تعد الوسيلة المقبولة لإثبات الزواج. وإذا حالت أسباب قاهرة دون توثيق العقد في وقته، تعتمد المحكمة على مختلف وسائل الإثبات الأخرى. وتأخذ بعين الاعتبار، وهي تنظر في الدعوى الزوجية، وجود أطفال أو حمل نتيجة العلاقة الزوجية، وفيما إذا كانت هناك دعوى. وتعمل على الانتهاء من الدعوى خلال فترة انتقالية لا تتعدى العشر سنوات".
هذه الفترة المتعلقة بإثبات عقد الزواج، كان من المفروض أن تنتهي، في يناير/كانون الثاني 2014، كما حدّدت ذلك وزارة العدل المغربية، إلا أنه جرى تمديدها لخمس سنوات أخرى.
وأثار القراراحتجاج المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية خاصة، التي اعتبرت أن ذلك الاستثناء يسهم بتمديد وضع غير مقبول، لأن العديد من الأسر (خصوصاً في الأرياف) تراوغ بالقانون لتزويج القاصرات والطفلات من بناتهم.
ويرى مدير مرصد الشمال لحقوق الإنسان، محمد بنعيسى، أن الاستثناء الذي حددته وزارة العدل "مجحف للطفولة وثغرة قانونية".
وأضاف في حديث لـ"هاف بوست عربي"، أنه رغم أن القانون المغربي "شدد على إجراءات زواج القاصرات، إلا أن "واقعة تزويج طفلة تطوان، تبين استمرار معضلة تزويج فتيات في مثل سنها".
واعتبر مدير مرصد الشمال لحقوق الإنسان، أن التقاليد والأعراف "تظل الأقوى في ظل ثقافة محافظة".
بدوره، شدّد عبد العالي الرامي، رئيس منتدى الطفولة، على أن تزويج الأطفال "جريمة تستهدف براءتهم"، وأن الاستثناء في إثبات الزواج المعمول به "يفتح المجال للتحايل على القانون".
ودعا رئيس منتدى الطفولة، في اتصال بـ"هاف بوست عربي"، إلى ضرورة "التصدي لزواج الأطفال، وزواج الصفقة بالتحايل على القانون من خلال عقد الزواج بعقد عرفي بالفاتحة".
كما طالب المتحدث ذاته الحكومة، بـ"وضع استراتيجية لإشراك المرأة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتوفير مشاريع مدرّة لدخل للأسر التي توجد في وضعية اجتماعية صعبة، وتوفير الحماية والوقاية للأطفال، وصيانة حقوقهم في التعليم والتأمين الصحي".