رسالة إلى المستقبل بقلم : عبد الفتاح العوض
خُيّل لكثيرين أن الشعوب العربية من الماء إلى الماء باتت تتابع مباريات كرة القدم أكثر من أخبار فلسطين. وأن وجبة من ماكدونالد أشهى من الزعتر الفلسطيني، وخيّل إلى الجميع كما لو أنه واقع لا محالة أن العالم لم يعد معنياً أبداً بتعابير الحق والتحرير والانتصار، وأن هذه الكلمات ذهبت معاً إلى أحد المتاحف ليدرسها الدارسون على أنها من الكلمات الميتة… نعم في هذه الأوقات التي ظنّ فيها الإسرائيلي ومشجعوه أن العالم «تزيّن» لهم وأخذت الأرض زخرفها.. جاء أمر اللـه هذه المرة وجهاً فلسطينياً مشرقاً ومبهجاً وطافحاً بالحسن والنصر.
في الأوقات الذي كان يتسلل وزير إسرائيلي خلف وزير السياحة السوري محاولاً الحصول على «لقطة» إعلامية.. وفي الوقت الذي أصبح حصول الإسرائيلي على تأشيرة لدخول الدول العربية أسهل من حصول أي سوري أو فلسطيني أو حتى عربي عليها، في هذا الوقت بدا الأمر مختلفاً بالمبنى والمعنى بالمضمون وبالصورة بالقلب وبالعقل.
دعونا نتحدث بمنطق التاريخ.. قراءة الأحداث عادة ما تأخذ أحد ثلاثة أشكال:
الشكل الأول ما تراه على السطح.. يأتي مع أضوائه الساطعة وكذلك مع أصواته الصارخة فيه الكثير من المقدمات.. حدث غني بالأخبار العاجلة تطفو تفاصيله على السطح ويخفي أسراره للزمن.
والشكل الثاني ترابط أحداث يسير فيها الماضي مع الحاضر نحو المستقبل يداً بيد وحدثاً بحدث، لا يعكر ذلك خروج عن النص أو تجاوز على المألوف.
أما الشكل الثالث وهنا أكثر ما يعني في حركة التاريخ أننا أمام سنن كونية وقوانين تاريخية لا يمكن الخروج عنها مهما بدا الأمر غريباً وبعيداً، ومن سنن التاريخ أن قضايا الشعوب تبقى مشتعلة وإن خفا وهجها أو خفت حرارتها.. وأن وجود حق يستوجب أن يكون له حراس وإن خبت ألوانهم أو ضاعت بوصلتهم.
الآن وفي الوقت الذي تعيش فيها سورية سنوات الأسوأ في حالها إلا أن الجميع يدرك جيداً أن ما جرى في سورية وما عانته وما يزال شعبها يعانيه إنما كان سر ذلك في الموقف من القضية الفلسطينية.
هنا لن أتحدث لكم بالعواطف وهي جياشة وساخنة، ولا بالشعارات وهي وإن احتجبت بفعل الوجع لكنها ثابتة في العقل والوجدان، لكننا نتحدث عن فعل التاريخ بأن ما جرى في السابع من تشرين هو رسالة للمستقبل.. رسالة مؤداها أن ما حدث من الممكن أن يحدث مرة أخرى وما حدث مرتين قابل ليصبح ثلاثاً وما حدث ثلاثاً سيصبح عادة.
هذه رسالة للمستقبل.. بلغة مباشرة وواضحة وبصوت عال وواثق وبلهجة مطمئنة.. نعم نستطيع وبالتأكيد نستطيع مثلما فعلناها أمس في تشرين، ومثلما نفعلها اليوم في تشرين سيأتي تشرين ثالث وآخر.
أقوال:
– إنّ قوة الحق عندما تجابه الباطل والانحراف تتحول إلى طاقة فعل هائلة.
– حين سكت أهل الحق عن الباطل توهم أهل الباطل أنهم على حق.
– الانتصار لا يعانق من ينتحب، بل من يتكبد وعثاء السفر في سبيله.
– كل عسير إن استعنت بالله يسير