كتب زياد غصن: ثنائية التنمية المعاصرة
ما نراه اليوم ليس سوى إحدى تجليات سياسة ثنائية التنمية المتبعة منذ عدة عقود، والتي تجسدت سابقاً في المقاربة التنموية الحكومية حيال كل من الريف والمدينة.
هذه الثنائية تعاود اليوم ظهورها، لكن بشكل بشع ومخيف...
فمثلاً عندما تعترف وزارة التربية بوجود تسرب تعليمي تتجاوز نسبته 27%، وفي الوقت نفسه تقوم بمنح مزيد من التراخيص لما سمي بالمدارس الافتراضية، ومن دون نص قانوني صريح... فماذا يمكن أن نسمي ذلك؟
وعندما تطلق الحكومة خطة للتحول الرقمي وتقيم لها الندوات والمؤتمرات والاحتفالات هذا في الوقت الذي يضطر آلاف الأشخاص للوقوف في طوابير الخبز والبنزين والغاز... فعلى ماذا يؤشر ذلك؟
وعندما تطلق وزارة الصحة حملة لتخفيض استهلاك مادة السكر تجنباً لما يسببه من أمراض، هذا في الوقت الذي تقتصر فيه وجبة طعام أسر كثيرة على الخبز والماء وقليل من السكر فقط..
وعندما يكون جل هم الوحدات الإدارية استبدال الأرصفة وتزيين الساحات، فيما ملايين الأشخاص يضطرون لشراء مياه الشرب والاستعمالات المنزلية من الصهاريج والسيارات الجوالة بمبالغ مرهقة... أليس هذا سبباً كافياً للاحتقان؟
وعندما يتم افتتاح المزيد من الفنادق والمطاعم ذات النجوم المرصعة بالحفلات الغنائية والبوفيات المفتوحة، فيما 95% من الأسر السورية إما أنها فاقدة لأمنها الغذائي أو مهددة بفقدانه.
كل هذا وغيره الكثير، يعبر عن أحد أوجه التنمية المزدوجة التي نعيشها، والتي تجعل من المجتمع مكوناً من طبقيتين لا غير... واحدة قليلة العدد تستحوذ على كل شيء وتسخر إمكانيات البلاد من أجلها، والثانية تشكل أغلبية لا تحصل سوى على الفتات...
قد يقول البعض: وماذا تغير، هذا هو حالنا وحال الدول النامية منذ عقود...
وأنا أقول لهم: لكن عندما تتعمق هذه الحالة في أوقات الأزمات والمحن، فإن المخاوف تصبح أكثر رعباً.
دمتم بخير
زياد غصن - شام إف إم