كتب زياد غصن: مات وحيداً في مكتبه
مات هزاع عساف زميلنا الوفي في صحيفة الثورة.
مات وحيداً بجلطة قلبية مساء السبت الماضي في مكتبه، ولم يشعر أحد بما حصل له إلا بعد مرور ساعة كاملة.
تخيلوا معي أن صحيفة الثورة، التي كانت ممراتها ومكاتبها مزدحمة ليلاً ونهاراً بالفنيين والصحفيين والضيوف، يموت فيها أمين تحرير الشؤون الاقتصادية والمحلية، ولا يشعر بوفاته أحد..
يا لهول الفاجعة... ماذا حل بالصحافة المطبوعة بمؤسساتها وصحافييها وعامليها؟
هل بتنا إلى هذه الدرجة عالة على الدولة والمجتمع، وسبباً في عجز الموازنة العامة، والمسؤولين عن انخفاض سعر الصرف، وأهم مكمن لخسائر القطاع العام؟
صدقوني... المشكلة ليست في التكلفة كما يشاع ويروج، وإن كانت تكلفة ليست بالقليلة، لكن تكلفة عملية تجميل ساحة كالسبع بحرات كانت كفيلة بتمويل إصدار صحيفة يومية لمدة عامين وربما أكثر، كما أنم تكلفة تنفيذ أوتوستراد لا تمر عليه سيارتان كل ساعة تشتري ورقاً يكفي لطباعة صحيفة يومية لأكثر من ثلاث سنوات.
فكيف إذا جمعنا مبالغ الفساد والهدر والصفقات المشبوهة التي تجري على حساب خزينة الدولة ومواردها ومصالحها؟
المشكلة يا سادة بدأت مع وجود شخصيات لا تعي بسبب جهلها أهمية الصحافة المطبوعة، وأن هذه الوسيلة الإعلامية هي حجر الزاوية في منظومة الإعلام التقليدي، ثم تعمقت هذه المشكلة مع حكومة لا تريد لإعلام حقيقي وجاد أن يتوسع ويترسخ في مجتمعنا.
أوقفنا الصحافة المطبوعة، وتراجع جمهور التلفزيون لأسباب عدة، وبخلنا على الإذاعة مادياً ومهنياً، فكان أن خلت الساحة تماماً لشبكات التواصل الاجتماعي لتتلاعب بالرأي العام كما تريد. وها نحن اليوم عاجزون عن ضبطها!
عندما حملت قرار توظيفي، وتوجهت به إلى صحيفة تشرين قبل 25 عاماً لاستلام عملي، فكرت مراراً وأنا على بابها الرئيس أن أعود من حيث أتيت بسبب رهبة المكان، عظمة أسماء محرريها، وحتى اللون الأزرق الذي كان يميز اسم الجريدة... لكن لحسن حظي وحظ هزاع وكثيرين أننا عشتنا بعضاً من محطات الزمن الجميل للصحافة المطبوعة.
مؤسف أن يكون مدخلنا للحديث عن انهيار الصحافة المطبوعة في بلدنا هو وفاة زميلنا العزيز هزاع عساف، لكنني على يقين تام أن روحه اليوم تتنفس الرحمة مع كل كلمة كتبتها هنا، لأنه ببساطة كان واحداً من الأوفياء لهذه المهنة.
دمتم بخير