الصمت الجميل بقلم: عبد الفتاح العوض ما الخطاب الذي يحتاجه السوريون الآن؟!
في التعاطي مع الشأن العام ثمة اختلافات جوهرية أبرزها يقوم على اختيار الأسلوب، لكن أهمها يتعلق بالهدف والغاية من رسائلنا.
إذا اتفقنا أن الأغلبية العظمى من السوريين يؤمنون بأن سورية بحاجة ماسة لاستعادة ألقها، فإن الذي يختلفون فيه هو الأسلوب في التعبير عن هذه الرغبة الوطنية.
مقاربة السوريين تباينت بين قلتين وأكثرية.. قلة ترى أن القضية لها علاقة بأداء الحكومات خلال سنوات الحرب وأن المسألة هي فساد وسوء إدارة وتخبط وعدم قدرة على معالجة الملفات الصعبة، وقلة أخرى ترى أن المسألة هي فقط عقوبات اقتصادية غير مسبوقة وسرقة دول لثروات وخيرات السوريين، فالنفط والقمح بيد الأميركيين وعملائهم، فيما هناك كثير من الموانع الاقتصادية الدولية التي زادت الأعباء على السوريين وحرمتهم من لقمة عيشهم.
على حين أن الأكثرية ترى القصة كل هذا مجتمعاً فلا أحد يستطيع إنكار ما ساهمت به العقوبات ولا أحد إلا ويدرك الفساد وسوء الإدارة. لكن مهما كانت الأسباب هل ما يحتاجه السوريون الآن هو توصيف المشكلة فقط؟ هل يوجد سوري إلا ويعاني من المشكلة وبالتالي استمرار الحديث عنها بصيغة الوصف ليس إلا خطاباً أسود في واقع أسود.
ما يحتاجه السوريون هو الحديث عن الحلول.. وإطلاق مبادرات وإشاعة أجواء تساعد على الخروج من هذه الأزمات معاً؟ أو واحدة تلو الآخر أو إن لم يكن للخروج منها كلياً بتخفيف آثارها وآلامها على الناس.
لدينا مشكلة بأن الذين يتحدثون عن مشاكل السوريين يحاولون بكثير من الأحيان الجنوح «للتنظير» ولعلها إحدى الآفات المزمنة في المجتمع السوري حيث يكثر «المنظرون» ويقل «الفاعلون».
دوماً التنظير سهل جداً ويستطيع أي منا أن يقدم محاضرات في الأزمات والمشاكل وكل منا لديه البلاغة لوصف الحال والبكاء عليه.
لكن ليس هذا ما يحتاجه السوري.
السوري يحتاج إلى مشاركة الجميع في خطاب يقدم إضاءات على الحلول ومبادرات للتخفيف من المشكلات والقيام بأدوار تساعد على صناعة الأمل بالقادم من الأيام.
ومن هنا فإن الذين لا يستطيعون أن يساهموا بالحلول والمبادرات وبإشاعة الأنوار، فعلى الأقل يمكنهم التفضل علينا «بالصمت الجميل» فهو أفضل من الندب والجزع، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت. كان من الممكن لنجوم سورية أن يطلقوا مبادرات لمساعدة الأيتام أو مرضى السرطان وأن يصيغوا لغة توافق وتسامح.
ليتركوا استثمار أوجاع السوريين وليتحملوا مسؤوليتهم بتخفيف هذه الأوجاع وليتركوا «الآخ» لنا نحن الناس العاديين التي نقولها ألماً وليس كما يقولونها تمثيلاً.
تعالوا نصنع خطاباً نحتاجه جميعاً.
المواطن يقرأ أو يستمع لخطاب إيجابي فيتمناه.. وإن قرأ أو استمع لخطاب سلبي فيصدقه!! فلا يوجد حتى الآن جهات سورية قادرة على صياغة رسائل إعلامية يتم تبنيها من وسائل الإعلام ومن النخب الفكرية المؤثرة.
ولاحظوا معي أن الولايات المتحدة تنوي دفع 15 مليون دولار لإعلاميين سوريين ليقدموا خطاباً يناسب سياستهم.. مثل هذا المبلغ الكبير يعادل نحو 100 مليار ليرة سورية وهو أضعاف موازنة كل الوسائل الإعلامية السورية والحكومية والخاصة.
باختصار… الخطاب الذي يحتاجه السوريون.. خطاب يجمع ولا يفرق.. خطاب أمل لا يأس.. خطاب محبة لا كراهية.
أقوال:
– ليت الرسائل التي نرسلها في لحظة ضعف، تضل الطريق ولا تصل أبداً.
– يجب أن يعرف كل إنسان لغتين: لغة المجتمع ولغة الإشارات. تعمل إحداهما على التواصل مع الآخرين، والأخرى تعمل على فهم رسائل الله
– رب كلمة قالت لصاحبها.. دعني.