علي عبود يكتب.. لو رفعت الحكومة الأجور بما يتناسب مع رفعها للسلع لما احتاج السوريون أي دعم مقرون بـ "التمنين" الممل!
علي عبود
لم نستغرب تخصيص الأسرة السورية بليتر واحد من الزيت النباتي بسعر غير مدعوم ، أي بمبلغ 7200 ليرة ، وهو أغلى من ليتر زيت القطن غير المستساغ لا شكلا ولا طعما الذي رفعت وزارة الصناعة سعره مرتين هذا العام ليستقر حاليا عند حد 5500 ليرة ، وقد يلحق سعره قريبا بسعر دوار الشمس!
وإذا كان بعض "الخبراء" يستغرب تخصيص الأسرة بليتر واحد فقط من الزيت النباتي بدلا من تخصيصها باحتياجاتها الفعلية وهي 4 ليترات ، فقد فات هؤلاء ان هدف الحكومة حاليا ليس تأمين "كفاية" الأسرة من السلع والخدمات ، وإنما تقنينها بما يتناسب مع دخلها الفعلي !
ونشير هنا إلى أن الحكومات المتعاقبة منذ بداية تسعينات القرن الماضي رفعت شعار ترشيد الاستهلاك ، وكانت تستهدف بشعارها الطبقة الوسطى وليست المترفة!
وبما ان الطبقة الوسطى تبخّرت ، فإن الحكومات خلال السنوات الخمس الماضية تطبق منهجا غير معلن هو "تقنين الاستهلاك الإلزامي" ، وهذا الشعار يتناسب مع التدهور المتدرج للقوة الشرائية للأسرة السورية!
وبدأ تطبيق "تقنين الاستهلاك" بمادة المازوت ، فبعد أن كان مبلغ الدعم لهذه المادة يشتري أكثر من 1100 ليتر سنويا ، فقد تبخّر الدعم كليا مع تحرير سعر المازوت ليصل حاليا إلى 500 ليرة دون أن تمنح الحكومات المتعاقبة منذ 2009 أي مبلغ لشراء المازوت المدعوم كما كانت تفعلها سابقا في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي!
وتقنين الإستهلاك هنا ليس ضروريا بل إلزاميا ، وبالتالي كان تخفيض مقنن المازوت المدعوم من 1100 ليتر إلى 400 ليتر فإلى 200 ليتر ثم إلى 100 ليتر في محله ، لأن ثمن هذه الكمية تناسب دخل الأسرة مقارنة بما ستخصصه للمواد الأخرى ، مع حرص الحكومة أن لا توزع كامل الحصة رغم هزالتها إلا بعد مرور المنخفضات القطبية تنفيذا لسياساتها بتقنين استهلاك الأسرة من المحروقات!
وترى وزارة التجارة الداخلية ان تخصيص الأسرة بأربع ليترات زيت شهريا يفوق قدرتها الشرائية أي ان المبلغ الذي سيخصص للزيت النباتي فقط في هذه الحالة سيشفط أكثر 30 % من الحد الأدنى للأجور!
ويبدو أن غالبية الناس لم تستوعب حتى الآن إن الرفع المستمر للسلع والخدمات كالمحروقات والكهرباء والأعلاف والأسمدة والنقل الضرورية لإنتاج السلع الزراعية .. لا هدف لها سوى "تقنين الاستهلاك" وجعله إلزاميا ، إلى أن يصل إلى حد "الكفاف" بل إلى ما دون "الكفاف اليومي"!
وقد بدأنا نلمس الآثار السريعة لهذه السياسة الفعالة من خلال اختفاء "الأكلات الشعبية" تدريجيا من موائد السوريين اليومية كالفلافل والمسبحة والفول والأجبان والألبان والزعتر والزيتون..الخ!
ولأول مرة بتاريخ سورية تشتري ملايين الأسر السورية البيض بالفرادى لا "بالصحن" والفروج بالقطعة الواحدة أي حسب قدرتها الشرائية لا حسب احتياجاتها الغذائية!
الخلاصة : لو أن الجهات الحكومية مهتمة بصحة الأسرة التي بدأت بالتدهور نتيجة للفقر الغذائي لما لجأت إلى اسلوب تقنين الاستهلاك الإلزامي، ولو انها رفعت الأجور بما يتناسب مع رفعها المستمر للسلع والخدمات لبقيت الأسرة تقوى على شراء احتياجاتها دون الحاجة لأي دعم مقرون بـ "التمنين" الممل!
والسؤال : إلى متى ستتحمل ملايين الأسر السورية تقنين الاستهلاك الإلزامي؟
سيرياهوم نيوز