بداية القابضة

رئيس التحرير : عبد الفتاح العوض

رئيس مجلس الإدارة : د. صباح هاشم

من نحن اتصل بنا
أجنحة الشام

"خواتم في أصابع الصدى" كلام نازف من روح تائقـة إلى الحـق والجمـال

الاثنين 02-01-2017 - نشر 8 سنة - 6136 قراءة

«أعذب الشعر أكذبه» مقولة توارثناها من زمن جعل بعضهم فيه الشعر للتسلية والرفاهية وشعراءه يتباهون في لباسهم بالدمقس والحرير. الشعر كان لبعضهم باباً للتندر والفكاهة والتباري ومدح من يدفع أكثر ومن ثم الكذب، وقد سار بعض المتأخرين على هدي أولئك نظماً وزخرفاً وسجعاً وبديعاً، وباعتقادي أن الشعر إذا لم يخرج من وجدان الشاعر ونزف روحه التائقة إلى الحق والجمال فليس إلا كلاماً منمقاً يطرب إلى حين لكنه لن يبقى له هذا مع الأيام، ولذا فالشعر عندي أصدقه وأنقاه وأقربه إلى الناس كلهم.. الجنود وهم يقاتلون والرعاة والعمال والفقراء والمشردين في الوطن وعلى شطآن الآخرين، الشعر قنبلة في وجه الفاسدين والظلام والمتجبرين والسارقين قوت الشعب، وهو في الوقت ذاته تحريض وحث وتعليم ونهي لأنه رسالة من السماء، إذ ولد الشعر حين عرف الإنسان الغناء والعزف على أوتار الروح.. نعم في البدء كان الكلمة ولكن ولدت معه الكلمة ولم يولد السيف إلا حين قرر الإنسان أن يأكل لقمة الآخر في الغابة وفي الحضارة وما بعد المدنية وإلى أن تقوم الساعة فها هو ذا الشاعر بديع صقور يقول: «بين ركام المذابح ونسف الجسور، قلما تجد عنواناً أو طريقاً يوصلك إلى مشارف الضوء.. القتل يمشي على طريق الياسمين، والحب يبحث عن شفتين».

الحرب على وطني خربت البيادر والمدارس والنفوس فضاع الاتجاه عند البعض وتاه في فيافي القتل والنهب والدمار والشاعر يدعوه وكأنه حبيبته طالباً الغفران له كما فعل السيد المسيح حين قال: يا أبت اغفر لهم لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون، على الرغم من أن الأيادي أوغلت بدمنا لكن لا بد من التوبة والمغفرة والمصالحة فنحن لم نخلق إلا لنحيا ومن تربص ليقتلنا فإنما يقتل خليفة الله على الأرض الذي هو الإنسان:

«تعالي نبني جداراً متيناً من الحب

تعال نسور هذه الأزهار بسياج من محبة

تعالي نبني بيتاً يليق بالحب»

إذاً، فالبديع وبعد كل ما جرى في وطننا من إبادات جماعية استهدفت السوريين كلهم مازال يدعو إلى الحب والتسامح ونبذ السلاح وهذه وظيفة الشاعر المهمة، فلا يجوز للشاعر أن يكون بوقاً إلا للحق والخير والجمال والحب آخرها وأولها.

لن تجد في شعر البديع موسيقا للبحر الطويل أو الوافر وغيرهما لكنك ستجد وهو يحدثك حديث القلب للقلب أن في كل لفظة جرساً موسيقياً وصوتاً هادئاً كأنه الهمس وعلى هذا فالشعر ليس ذلك الكلام المنظوم المقفى وإنما هو ذو المعنى المتدفق كالنبض النابض كالوخز الواخز كشلال حب.

شلال ينساب من هضبة كموجة من نسيم:

«اسكب سلاماً في جوف الأرض

أكثر من المحبة في قلب الحقول»

إن الشاعر أدرك منذ اللحظة الأولى للغزو الهمجي لبلادنا المدجج بسلاحي العقيدة والحرية أكثر عبارتين مضللتين مضرجتين بدماء الناس أدرك أن هؤلاء جاؤوا لسرقة الحضارة السورية المتجذرة في وعي السوريين ووجدانهم ومن ثم تدميرها وتدمير السوريين معاً:

بين صوتي وأنين الموج رسالة

لا تدع فرصة للغرباء واللصوص

يتسللون بها إلى رأس شمرا

كي يغرزوا خناجرهم في رحم ترابها المقدس

أبعدهم عن شواطئ أوغاريت

اسكب سلاماً في جوف الأرض

أكثر من المحبة في قلب الحقول

كي تقيم في الأرض وئاماً

ولا ينسى الشاعر أن يقول إن هذه المعاني استقاها من لوح أو رقم يعود إلى رأس شمرا مؤرخ في شتاء 1400 ق.م.. الشعر عند البديع صقور ليس طبلاً يهدر في الأرض ولا زمراً ولا «دقوا المزاهر» الشعر عنده وجع وحرق أعصاب ونبض مشتعل مع دم يفور ليقول انظروا ما فعلت أياديكم، أما كفى؟

«على أم اليتيم مررت صباحاً

وأحزنني اللقاء

على صفحات الصخور

قرأت أسماء الشهداء

أحزنني الذين قضوا لأجل ربيع العرب

في مهب الحروب

يبست أيامنا

وجردنا الموت

حتى من قبورنا»

نعم، فآلاف السوريين قتلوا في العراء وجردوا من إنسانيتهم فأكلتهم الضواري وكذلك الجائعون.

تكاد الكلمات تنزف دماً، تكاد السطور تكون أنهاراً من حزن وغضب، وتكاد صفحات الديوان تتكلل بالغار والآس، فحياتنا بائسة إلى هذا الحد، إلى الوجع الذي يكاد يقتات الفرح، فالشعر حياة، والحياة أعظم ما فيها الأم.. لأرنّم مع الشاعر البديع بما قاله شكسبير:«ليس في العالم وسادة أنعم من حضن الأم».

«من أين يبتدئ الحنين

من زهرة على قبر إلى غيمة من خريف

كنت أخالك ربيع الحضور

أشتاق صوتك وبسملة الصبح الأخير

يرتد الحنين سراباً

يهدهدني موالك كموجة

تستوطنني غربة الأيام

ويسكن بين روحي، وجع المرافئ»

هي شهادة ليس إلا.. هي بحث عن الجمال والحب ليس إلا أما الزؤان فله عشاقه ومريدوه وهذا شأنهم، أما أنا فما زال بيتي كوخ ناطور من الأعواد والقصب أبحث عن حبة حنطة بين أكوام الشوك لأطعم فماً جائعاً أبحث عن زهرة تأخذها الريح بعيداً فألتقطها لأهديها لامرأة.

أما الوهن فله من يتصيده ولهذا لست صناجة ولكنني أعشق الجمال بكليته ولهذا فأنا أعلي إحساس الشاعر المرهف المفعم بالجمال.

البعث


أخبار ذات صلة

تأثير التعليم على الفيزيولوجيا

تأثير التعليم على الفيزيولوجيا

إشراف.. الأستاذ الدكتور رشاد محمد ثابت مراد

المايسترو ميساك باغبودريان:

المايسترو ميساك باغبودريان:

من المحزن عدم وجود أي برنامج يتحدث عن الموسيقا في قنواتنا التلفزيونية