وجهة نظر جديدة..اللهجة العامية.. فصيحة نادين أحمد تكتب لصاحبة الجلالة.. وجهان لدرّة واحدة
صاحبة الجلالة _ نادين معين أحمد نشرت الأديبة نادين معين أحمد رؤيتها للهجة المحكيّة مقارنة باللغة العربية الفصحى معتبرة أنهما وجهان لدرّة واحدة حيث قالت: إنّ اللهجة المحكيّة على اختلاف أنواعها (لهجاتها) ونبرات لفظها إلا أنّه لا يمكن أن نضعَها بالجهة المقابلة للعربيّة الفصيحة، وذلك لأننا في ذلك نظلم لغتنا ونلبسها ثوباً يصعب حمله لعدّة أسباب؛ لعلّ أهمّها أنّ اللغة العربية الفصحى امتازت بصفات فتميّزت عن كلّ لغات العالم. لقد كان الحديث عن اللهجات العربيّة مركز اهتمام عند الكثير من الباحثين والمهتمّين من أساتيذ جامعيين ولغويين، لكن تلك اللهجات التي بحثوا بها هي اللهجات القديمة، إذ حتّى في القدم كانت لهجات العرب تختلف بين بيئة و أخرى، فكلّ لهجة اتّصفت بلكنة تميّزها عن سواها كالكشكشة والعنعنة والتّلتلة..الخ حالها كحال لهجاتنا المحكيّة في أيّامنا هذه، إذ بات يُعرَف بلد المرء لمجرّد سماع لهجته وطريقته في التعبير من الجميل أن تكون لغتنا العربيّة لغة متجدّدة متوالدة بما يخدم متطلّبات الجيل والسّعي من أجل إيصال حاجاته المتنوّعة في كافّة المجالات الحياتية والمهنيّة، فاللغة تستمدّ نشاطها وتجدّدها كلّما ازدادت مفرداتها، فمن سمات اللغة المتطوّرة أن تكون اللغة التي يعبّر بها أبناء الطّبقة المخمليّة عن ردّات فعلهم وطلباتهم اليوميّة واعتبارها اللغة الثّانية بعد لغتهم الأم (الأصليّة)؛ لذلك إن كنّا غير قادرين على جعل لغتنا هي اللغة الثانية المستخدمة عند الأجنبي غير النّاطق بها فربّما قادرون على الأقل ألّا نتكلّم سواها حتّى في أبسط الكلمات لاسيّما أنّنا غير ملزمين باللغة الفصحى في حياتنا اليوميّة، فلهجاتنا المتنوّعة قادرة على تلبية كلّ متطلّبات الحياة اليوميّة من مهنيّة واجتماعيّة وشخصيّة، فلكي نعالج تداخل الفصحى باللجة المحكيّة يجب علينا أن نحدّ من استخدام اللهجات واللغات الأجنبيّة إلّا عند الحاجة، فبعض شركات الاتّصالات ترسل لزبائنها رسائل مكتوبة باللغة الإنكليزيّة غير مهتمّة إن كان زبائنها قادرين جميعهم على ترجمة تلك الرّسائل وفهمها. *بعض الأمور التي تؤكد تلاحم اللغة العربيّة الفصحى واللهجة المحكيّة: 1- أحد أنواع البدل والذي لا يؤخذ في المدارس ولا حتّى في الجامعات التخصّصية لأنّه بدل نادر الاستخدام كتابةَ هو بدل الغلط، نحو: يا مريم سعاد، فالمنادي ينادي سعاد لكنّه نده مريم ليستدرك وينادي سعاد فسعاد هي بدل غلط من مريم من حيث الموقع الإعرابي، وهذا نراه في الحياة اليوميّة عندما ننادي لفلان فنلفظ اسم شخص آخر ثم نستدرك لنناديه باسمه 2-نفي الماضي والحاضر والمستقبل فيما نسمّيه بالفصحى عدولَ الأفعال، كلُّها نبرات مستخدمة بالعامّية (المحكيّة) 3- الصّور البيانيّة يستخدمها النّاس في أحاديثهم بكثرة؛ فدرس البلاغة العربيّة تنضح به مصطلحات النّاس في التّعبير عن أفكارهم و حالاتهم الآنيّة ومنها مثلاً الذّم بما يشبه المدح كأن تقول بلهجة متهكّمة لفلان من النّاس أنت ذكي بينما تقصد عكس ذلك وهذا شائع جدّاً بين النّاس في حياتهم اليوميّة 4- بعض الكلمات المحكيّة التي يظنّ بعض النّاس أنّها عامّية وليست من الفصحى بشيء مثل افرنقعَ (فعل) بمعنى ذهب، وكيّس (اسم) بمعنى جميل أو ذكي وتقال في المدح، وشافَ(فعل) بمعنى نظر وهذا الفعل نستخدمه كثيراً في اللهجة المحكيّة، إنّه كلمة فصيحة مصدره شوفاً، زيطة (اسم) يستخدمه النّاس للتعبير عن الضّجة وكثرة الأصوات هي كلمة فصيحة بمعنى الجلبة واختلاف الأصوات، بعْزَقَ(فعل) ومصدره بعزقة ويستخدمه النّاس للتعبير عن صرف فلان من الناس لأمواله بطريقة مسرفة غير محسوبة هذا الفعل فصيح وفي المعجم بعزق الشّيء أي فرّقه، شال(فعل) يستخدمه النّاس بكثرة وهو كلمة عربيّة فصيحة بمعنى رفع 5-بعض الكلمات المشتقّة الفصيحة تُستخدَم بالعامّية بعد أن عدلت لمشتق آخر، فالبائع بالفصحى يقابلها بالعامّية مبالغة اسم الفاعل )( بيّاع) 6-(التّصغير) فدرس التّصغير هو امتنان من إحدى الأختين للأخرى وتقدير لجمالها، وبما أنّ اللغة الفصحى هي أقدم من المحكيّة فإنّ التّصغير نشأ فيها أوّلا وما وجوده بين عامّة النّاس إلّا ترداد لجماليّات الفصحى دون سابق معرفة ربّما بالسّليقة؛ فأغراض التّصغير في الفصحى تختلف بين تقليل شأن وتحقير أو تقليل عدد أو تقريب الزّمن أو المكان أو تدليل المصغّر كذلك الأمر بالمحكيّة فالنّاس يستخدمونه لنفس الأغراض، فعلى سبيل المثال كلمة ابنة بالفصحى تصغّر على (بُنَيّة) وفي العامّية البدويّة ابنيّه وهذه الكلمة يستخدمونها في البادية ويطلقونها على الفتاة بالعموم دون تصغير 7-حروف الجواب بعضها ثابت في كلّ اللهجات العربيّة كالحرف (لا) ما لا يمكن أن يتغيّر عند عامّة النّاس هو كلمة (مبروك) هي كلمة تستخدم للمباركات في المناسبات والتّهنئات؛ لكي تغيّر مصطلحاً عاميّاً فأنت ستلزم كلّ متكلّميه أن يقوموا بتغييره، ولكن طالما سطوة الإلزام غير موجودة بما يخصّ اللغة المحكيّة فربّما جعلُ (مبروك) اسم مفعول سماعي من الفعل بارك؛ أي قبول كلام العامّة بما فيه الخاصّة وأعني الخاصّة هنا اللغويين إذ ترى اللغوي يعلم أنّ الكلمة موضوعة في غير مقامها لكنّه يردّدها لأنّه يرى الجميع يردّدها؛ صحيح أنه لم يحدث في زمن من الأزمان الغابرة أن كان في اللغة العربيّة شيء اسمه(اسم مفعول سماعي) فاسم المفعول يمشي على قواعد وضوابط ثابتة لذلك ربّما نطلق على المصطلح (جواب مباركة سماعي) الخطأ الشّائع الثاني على نفس الوزن(اسم مفعول) هو (مقفول) الذي يستخدمه عامّة النّاس للتعبير عن إغلاق الباب أو ما يشبهه وهذه الكلمة في الفصحى تعني العائد من السّفر من الفعل قفل والصّحيح (مُقفَل) من الفعل أقفلَ، إذن المحكيّة هنا استخدمت مصطلح الفصحى بعد أن عدلته عن معناه إلى معنى آخر فائدة اللهجة المحكيّة بما يخصّ الفصحى بعض الطّلاب يعانون من بعض المشكلات الإملائيّة في تمييز كتابةً بين الزّاي والذال والزّاي يجانس رسماً الرّاء بينما الذال يجانس رسماَ الدّال تطبيق: الذئب(فصحى)، الدّيب (عامّية) اسم حيوان الذّيل(فصحى)، الدّيل(عامّية) من أعضاء الحيوان هذا(فصحى)، هادا(عامّية) اسم إشارة الذّرة (فصحى)، الدّرة(عامّية) الذّهب (فصحى)، الدّهب (عامّية) خطأ شائع في حقول الكتابة لإلكترونيّة وهو الياء التي تأتي بعد كاف الخطاب للمؤنّث فأنتِ يكتبها البعض أنتي، وكتابكِ يكتبها البعض كتابكي، وعلّمكِ يكتبها البعض علّمكي؛ فحتّى لو كانوا يكتبون بالفصحى يخطئون عندما يُشبعون حركة الكسر تحت الكاف ياءً لأنّهم يكتبون مايلفظون كالكتابة العروضيّة؛ لنطلق على هذه الياء الياء المؤنثة الطفيلية فلا يمكن أن يجتمع ضميران متتاليان في كلمة واحدة أوّلهما ضمير نصب والذي يليه ضمير رفع، فالمرفوعات هي التي تؤثّر بالمنصوبات لا العكس فهذه الياء زائدة لفظاً لا كتابةً وهي مقبولة إذا كان المكتوب محكيّاً أما إذا كان بالفصحى فمن باب الاحترام للغتنا علينا أن نقعّد كتابتنا فياء المؤنّثة المخاطبة لا تتّصل إلّا بالفعل في زمنيه المضارع والأمر. إذن كلّ ما ذُكِر لا يُعيب لغتنا الفصحى الأصليّة بشيء، ولو استطعنا أن نجعل اللهجة المحكيّة التي نتكلّم بها في حياتنا اليوميّة رديفة للغتنا الفصحى لما نشأ بعض النّفور بين اللغتين فالأصل والفرع لا يمكن أن يختلفا في أيّ مقام، وعنيت بالنّفور التّصرّفَ السّاخر الذي يظهره متكلّم المحكيّة لشخصٍ فصيح اللسان، لو جعلنا(سلامة اللغة) شرطاً أساسيّاً للتّحدّث بالعربيّة عاميّة أو فصيحةً، بل لو نظرنا إلى أن أكثر ما يُحجّم عربيّتنا هو الاعتماد على لغات أجنبيّة لاسيّما أن هذه اللغة العريقة قد أعطت كل هذه اللغات الكثير من الكلمات فهي لغة مانحة بامتياز ولم تكن يوما آخذة، فعلى سبيل المثال معاجم اللغة الإنكليزيّة تعجّ بالكلمات التي تعود إلى أصل عربي، لو أدركنا كل ذلك لحافظنا عليها وحميناها من اللغات الأعجميّة الدّخيلة فيكفينا شرفاً ورفعةً أنّ هذه اللغة أُنزِل بها القرآن الكريم.