بداية القابضة

رئيس التحرير : عبد الفتاح العوض

رئيس مجلس الإدارة : د. صباح هاشم

من نحن اتصل بنا
أجنحة الشام

القصة القصيرة جداً..أزمة موضوعات أم كتّاب؟!

الاثنين 09-01-2017 - نشر 8 سنة - 6031 قراءة

القصة القصيرة جداً لها مناصروها، وهناك من يرفضها، وهي فنّ لم يتخذ مشروعيته بعد، وهو تخريب لجنس القصة حسب رأي بعض النقاد. بينما أقرّ بعضهم بمشروعيته، وقال: إن من حق الكاتب أن يجرب فهناك نصوص جميلة في هذا المجال، كما أن هناك نصوصاً لا تستحق القراءة.

ونقول بداية إن القصة القصيرة جداً أو الـ(ق ق ج) هي جنس أدبي قديم وحديث في آن، وهي الومضة التي تختصر كل مواصفات القص، والصحيح أنها بقيت منذ نشأتها إلى الآن مثاراً للخلاف، فالبعض عدّها خالاً أو شامة جميلة تزين وجه القصة والأدب عموماً، وبعضهم رآها ثؤلالاً قبيحاً يجب استئصاله أو عدم النظر إليه والاهتمام به وبمن كتبه، ومن أجل هذا عقدت عشرات الندوات، وبقي الخلاف على الـ(ق ق ج) مع أنها جنس أدبي ينطبق عليها في كثير من الأحيان ما ينطبق على القص العادي، أو لنقل إن ذلك من إشكالاتها حيث ترتبط ذهنياً بالقصة القصيرة ويريد بعضهم أن يطلق عليهما الأحكام نفسها، على أن القصة عموماً هي بمنزلة الصفعة أو الجنس الذي يبحث عن نهايته منذ الكلمة الأولى.

ولعل الإشكالية الأكبر التي تواجه هذا القصة القصيرة جداً هي في إنتاج مجموعة قصصية جديرة بالاهتمام والمتابعة، فلو أخذنا معيار اتحاد الكتاب العرب مثلاً؛ أي المئة صفحة حتى يكون لدينا كتاب، فكم قصة يحتاج هذا الكاتب؟.. فلو وضع قصة في كل صفحة فهو يحتاج مئة قصة، ولو وضع قصتين فهذا يعني مئتي قصة، ولو وضع ثلاث قصص فهذا يعني ثلاثمئة مئة فكرة. ونقول ذلك لأن القصة في النهاية فكرة قبل كل التقنيات الأخرى، فهذا ليس بالأمر السهل، ولذلك فنحن نعاني قلة النص المطبوع، وهو موجود في أغلب الحالات إلكترونياً أو ملحقاً في مجموعات قصصية عادية وليست مستقلة، ونعني بالاستقلالية هنا أن ما هو في داخلها هو قصة قصيرة فقط.

قد تكون إحدى مشكلات الـ(ق ق ج) أو الومضة هي في الترميز والتشفير العالي، وهنا نسأل: هل يحتاج هذا الفن إلى جمهور غير عادي ونقصد هنا هل لزاماً أن يكون المتلقي نخبوياً ومثقفاً؟.  والآن لنحل السؤال إلى منتجي الـ(ق ق ج) أو الذين يتناولون أو يكتبون هذا النوع من منظار أيديولوجي مستخدمين كلمة الملك والأمير والجلاد والسياف وغيرها من هذه المصطلحات، لو حذفنا هذه الكلمات من قصصهم ماذا سيبقى من هذه القصص؟. سأقول وبكل صراحة لن يبقى منها شيء، وأقول أيضاً: لو منعنا فرضاً هذه الكلمات، فإنهم سيتوقفون عن الكتابة لأن المشكلة فيهم وفي عدم سعيهم لتطوير أنفسهم وأدواتهم، وهذا الكلام ينطبق بطبيعة الحال على من يستخدمون الرموز التاريخية والميثولوجيا والأساطير في قصصهم، ونخصّ به البعض من دون تعميم.  من ناحية أخرى، فإن المشكلة الأكبر والأهم في رأينا التي تعترض هذا الجنس الأدبي هي مشكلة معاكسة للرمزية والتشفير العالي وتتلخص في تطاول كل من هبّ ودبّ على هذا القص القصير، ولاسيما من الجنس الآخر، وأقصد الأنثوي، والأمثلة في وجود آلاف القصص على صفحات التواصل الاجتماعي، واستسهال هذا الجنس لدرجة أن كل من كتب كلمتين أو ثلاثاً صار يعدّ نفسه قاصاً، واعتبار أي مقولة أو حكمة تندرج أو تنضوي تحت هذا المسمى، وبعضهم يحسبُ أن أي جملة فعلية أو اسمية هي قصة قصيرة جداً.

سآخذ مثالاً بسيطاً من دون تسمية صاحبته، فقد كتبت هذه السيدة على صفحتها: «أنتظرك اليوم عند النافذة».. لنسأل بعدها: هل هذه قصة قصيرة جداً؟. قد لا تعني إجابتنا أي شيء فقد وصل تلك السيدة حوالي الألف إعجاب، وأقل منها بقليل تعليقات تمجِّد هذا الإبداع الخارق والعظيم، فكيف سنقنعها بعد ذلك أنها ليست كاتبة، وهل ستقتنع لو فعلنا؟، أين المشكلة إذاً وشرط الأدب هين وسهل سواء كان رواية أو قصة أو مسرحاً؟ أعطني نصاً جميلاً وسأشهد على أدبك، إذاً الجمال هو المعيار الأول!.  وفي هذا الشأن أيضاً قد تكون الفرصة مواتية لنقول للمراكز الثقافية ولكل المعنيين ألّا يقدّموا أشباه الكتاب وأنصافهم أو من يدعون الكتابة على المنابر، ولنبعِد المحسوبية والعلاقات الشخصية عن الثقافة ولنحافظ عليها نقية ونظيفة حتى نعكس ثقافتنا ونقدم من يستحقون التقديم. ومن المشكلات التي تواجه الـ(ق ق ج) أن موضوعها مازال بين قبول ورفض.. ولابد من القول إنها من الفنون الأدبية الصعبة ويستحق من اشتغل بها كل الرعاية والاهتمام، ليس لأنها من النوع النادر ويستلزم العمل لإنتاج كتاب منها وقتاً طويلاً فحسب، بل لأنها وعلى الرغم من مرور وقت طويل على وجودها وتداولها عبر صفحات التواصل الاجتماعي غير مستقرة ورجراجة وهي مرتبطة على الأغلب في قراءتها ونقدها وحالات كثيرة أخرى بالقصة القصيرة، ولهذا وجب القول: ليس كل من كتب هذا النوع بكاتب، لأنه يحتاج التكثيف والاقتصاد في الكلمات والحركة إلى أقصى الدرجات، وذلك شرط من شروط هذا القص، وقد تكون مشكلة من يكتبه في هذا الشرط بالذات، فأمام الروائي هامش واسع، وأمام القاص هامش أقل، والروائي كما يجمع النقاد لديه طلقات كثيرة قد يخطئ في بعضها ويصيب في أخرى، وليس الحال كذلك في القصة القصيرة إذ لا يملك صاحبها سوى طلقة وحيدة؛ إذا لم تُصِبْ هدفها فقد فشل وعليه المحاولة مع نص جديد وفكرة أخرى. وضمن هذا المعيار نسأل: ماذا يمتلك كاتب القصة القصيرة جداً؟ ولا نجد جواباً سوى أن الأمر يتعلق أولاً وأخيراً بالإبداع الحقيقي والجمال هو المعيار الأساس كما قلنا سابقاً، وقد كتب الأستاذ محمد خالد رمضان، رحمه الله، عن القصة القصيرة، فهي حسب رأيه: تعتمد على المفارقة والقفلة المدهشة والغرائبية والمباغتة، ومن ثم التكثيف الشديد والوحدة بين أطرافها والإيماء والإيحاء والإضمار والتلغيز وأشياء أخرى أعتقد أن الكاتب قد يتنبه لها ويضعها في الحسبان.

وختاماً لابد من القول: إن القصة القصيرة جداً على وجه الخصوص، ومن بعدها الشعر والدراسات والنقد تعاني هذه الأيام من الذين استسهلوا كتابتها، ونعتقد أن الأمر لا يحتاج إلى الكثير من الجهد لمعرفة ذلك واكتشافه، لكن الأمر الأكيد والمحسوم أن نهر الحياة حين يطوف سيجرف كل ما هو غث وسطحي وستبقى اللآلئ والأحجار الكريمة راسية ومتحدية غير عابئة بالتيار ز

"الوطن"


أخبار ذات صلة

تأثير التعليم على الفيزيولوجيا

تأثير التعليم على الفيزيولوجيا

إشراف.. الأستاذ الدكتور رشاد محمد ثابت مراد

المايسترو ميساك باغبودريان:

المايسترو ميساك باغبودريان:

من المحزن عدم وجود أي برنامج يتحدث عن الموسيقا في قنواتنا التلفزيونية