رسائل حب لم تكتمل
لا يمكنني بصورة ما أن أكتب المزيد عن أي شيء آخر سوى ما يتعلق بنا، ما يتعلق بنا وسط اضطراب العالم، نحن فحسب. كل شيء آخر، هو شيء بعيد. خطأ! خطأ! غير أن الشفاه تغمغم، ووجهي يستلقي في أحضانك. مُقتطف من كتاب «رسائل كافكا إلى ميلينا»، هذا النوع من الأدب يُسمى «أدب الرسائل» أو الأدب التراسلي، و المراسلة هي تلك الوسيلة التي استخدمها الإنسان سعيًا لمعرفة أخبار شخص أو مجموعة من البشر، يتضمن هذا اللون الأدبي رسائل متبادلة بين شخصين، قد تكون سياسية أو خطابات أو مجرد رسائل عاطفية. هذا الجنس الأدبي حديث نسبيًا، وهنا أقصد تجميع الخطابات وطرحها على هيئة كتاب، أما عن فن كتابة الرسائل فيُعد من أقدم الفنون النثرية التي عرفتها الثقافات العالمية والعربية بالأخص، وشُكلت دواوين مخصصة لهذا الغرض. لا يرتبط هذا النوع من الأدب بفترات تاريخية حديثة، فهناك رسائل لابن المقفع والجاحظ قد نُشرت أيضًا. وقد انتشر هذا اللون الأدبي انتشارًا واسعًا في القرن العشرين مع ظهور البريد، ومن كُتابه: جبران خليل في رسائله مع الكاتبة مي زيادة، وسارتر إلى دي بوفوار، ويتخذ هذا النمط الأدبي عدة أشكال منها: – رسائل كُتبت بهدف النشر بوصفها أدبًا، مثل «رسائل الأحزان في فلسفة الجمال والحب» للأديب مصطفى صادق الرافعي. – رسائل لا تكتب بهدف النشر، الهدف من هذه الرسائل توثيقي في المقام الأول وليس أدبيًا. نصحتك بالأمس بعدم الكتابة إليّ يوميًا، ولا يزال هو ما أراه اليوم وسوف يكون هذا خيرًا لكلينا، ومرة أخرى أعود إلى هذا الاقتراح اليوم، وفوق ذلك فإنني أطلبه بمزيد من الإلحاح – فقط، أرجوك يا ميلينا ألّا تلتزمي بهذا الاقتراح، بل اكتبي إلي يوميًا، على الرغم من ذلك، قد تكتبين في اختصار شديد، رسائل أقصر من الرسائل التي ترسلينها إلي الآن، سطرين فقط، أو سطرًا واحدًا، المهم هو أن حرماني من هذا السطر الواحد، سيكون معناه عذابي الرهيب. لمحة تاريخية عن تجميعها «نشرت الرسائل في الأصل باللغة الألمانية عام 1952 بعنوان «Briefe an Milena» حررها ويلي هاس الذي قرر حذف بعض الفقرات التي اعتقد أنها قد تؤذي بعض الناس الذين كانوا لا يزالون أحياء في ذلك الوقت. أما أول إصدار باللغة الإنجليزية لمجموعة الرسائل تلك فيعود لعام 1953، وقد ترجمها جيمس وتانيا شتيرن. نشرت الرسائل مرة أخرى باللغة الألمانية بعد إعادة الفقرات المحذوفة عام 1986، تبعتها ترجمة باللغة الإنجليزية وضعها فيليب بويهم عام 1990. تضمنت هذه الطبعة بعض رسائل ميلينا إلى ماكس برود، إضافة لأربعة مقالات كتبتها ونعي لكافكا». «كتابة القُبل فيها لا يعني أنها ستصل إلى مكانها المقصود». «إنني قذر يا ميلينا.. قذر بلا حد، وهو ما يجعلني أحدث كل هذه الضجة الهائلة حول النقاء». بالحديث عن رسائل الكاتب فرانز كافكا إلى حبيبته ميلينا، هذه المراسلات كانت من فترة 1920 حتى 1923. كان نشر هذه الرسائل بمثابة «تعرية» كاملة لفرانز كافكا، فقد نقلت الرسائل مشاعره تجاه حبيبته بما فيها من ضعف وتذبذب، وأظهرت انتهاكًا واضحًا للخصوصية، ووضعتنا أمام مسألة أخلاقية وسؤال هام، ما مدى أحقية شخص في نشر مراسلاته مع شخص آخر؟ فمن حق كل إنسان أن تظل هواجسه بعيدةً عن علم الغير، ربما لو كان كافكا يحيا بيننا الآن لمزق كل رسائله خوفًا من وقوعها في يد العامة، لأخفى كل هذا الضعف والحاجة، لأظهرها فقط لمن يُقدرها ويتفهمها، إلى ميلينا. ساسه بوست