الحدائق والأزقة مكتبها المفتوح.. نادية بوخلاط روائية جزائرية دون مأوى
الحدائق والأزقة مكتبها المفتوح.. نادية بوخلاط روائية جزائرية دون مأوى
الأربعاء 20-09-2017
- نشر 7 سنة
- 5688 قراءة
كانت طفلة حالمة تتمنى غرفة صغيرة ترسم على الجدران آمالها، فصارت شابة يافعة تقرأ روايات إحسان عبد القدوس وصار حلمها الأكبر الحصول على مكتب متواضع يكون مسرحاً لإبداعها الروائي والقصصي، قبل أن يصدمها الواقع بقسوته، فيجعل غرفتها الفضاء وجدران غرفتها الحدائق.
هي الروائية والقاصة الجزائرية نادية بوخلاط، ابنة مدينة وهران (400 كلم غرب العاصمة) التي لم تستطع رياح الحياة العاتية أن تهزها، واستمرت في الكتابة والإبداع، عازفة على "ماندولين حياتها"، غير آبهة بما تصنعه "اليد اليمنى للكولونيل" حتى لا تصبح "امرأة من دخان"
حلم الثانية عشرة
ليس هذا عنوان عمل أبدعته الروائية الجزائرية نادية بوخلاط، بل بداية الحلم بالكتابة أصلاً، عندما كانت مستقرة في حياتها ومتشبعة بحنان والديها ودفء أسرتها.
تقول نادية لـ "هاف بوست عربي" إنها كانت مهتمة كثيراً بالكتابة، "غالباً ما أحصل على علامات متميزة في التعبير، وكانت معلمتي في الصف المتوسط، وأنا صاحبة الثانية عشرة من العمر، تنصحني بالحرص على الكتابة وقد عملت بالنصيحة وبدأت خربشاتي، قبل أن أهتم بكتابة بعض القصص والخواطر. وكنت مولعة بتوجيه الكتابة في مجال القصة القصيرة الموجهة للأطفال، حيث تم نشر قصة قصيرة لي بعنوان 'موعد بلا غد' على صفحات جريدة الجمهورية الحكومية".
هذه الخطوة جعلت من نادية بداية من عام 2000، مدعوة للمشاركة في الأمسيات والمقاهي الأدبية، بعد حرصها على نشر عدد من القصص القصيرة والخواطر عبر صفحات اليوميات والمجلات.
الإبداع رغم الوجع
كان الربيع يعشق ناديه، كما كانت هي الأخرى تعشقه، فزقزقة الطير بأزقة المدينة، وهديل الحمام الوهراني، بين جنان الورد الجوري، كانت تلهم الروائية الصغيرة.
لكن نادية لم تكن تتخيل يوماً أن يكون هذا الربيع المعشوق من عام 2012 وبالضبط في 22 مارس/آذار 2012 بداية لأحزانها، بعدما وجدت نفسها ملقاة في الشارع بعد طردها من المنزل مع والدتها.
حول هذه اللحظة تقول بوخلاط: "كدنا نموت حرقاً بالمنزل، بعدما صب أخي بالتبني البنزين، وحاول إحراق البيت والوالدة، في تمثيلية ادعى فيها الانتحار، قبل أن يطردنا إلى الشارع ويرمي جميع الأغراض والأثاث التي تخصنا".
أما سبب الفعلة فترجعها نادية إلى محاولة الابن الاستيلاء على راتب الوالد المقعد، والاستمتاع بتلك الأموال بعيداً عما كان يصفه بـ"إزعاج الأم والأخت".
بداية التجوال
على مر الأعوام الستة التي أعقبت الحادثة، وإلى يومنا هذا، لم تستسلم نادية بوخلاط لما يريد الواقع فرضه، ولم تدع في لحظة الجفاف يجتاح قلبها، فكانت تكتب في الأزقة، والشوارع والحدائق العمومية، وتلجأ أيضاً إلى بعض الهيئات الثقافية.
وتشهد أشجار حديقة الحمري بقلب مدينة وهران، وحديقة حي الزراعية بمدينة غيليزان، على كتابات نادية، التي كانت تتغزل في سماء وهران وبحرها، وتروي عطش التربة بغليزان الجميلة.
تقول نادية "احتضنني ووالدتي بعض الجيران والأقارب، وعشت متجولة بين وهران وغليزان، رغم أن معظم أوقاتي كانت بالحدائق العامة، وأحياناً أزور دور الثقافة ومكتبات البلديات، وهمي الأكبر هو الكتابة والإبداع وكفى"
وتضيف "نحن نعيش منذ ست سنوات دون مأوى، رغم شكاوانا المتكررة للسلطات المعنية بوهران، والتي تعرف قصتنا دون أن تفعل شيئاً".
فقدان الوظيفة
لم تجد الروائية نادية نفسها مرمية في الشارع فحسب، بل فقدت أيضاً وظيفتها كمحررة بإحدى الجرائد الجهوية بغرب الوطن. فقد كانت المشاكل الكبيرة التي اعترضت حياتها، تجبرها على الغياب عن عملها أو الذهاب متأخرة، ما جعل المؤسسة الإعلامية توقفها بشكل نهائي، خاصة لما كانت صريحة مع وزير الإعلام حينها، حميد قرين، كونها تعمل بدون تأمين ولا مسكن.
وتتوقف عند هذه النقطة بالقول "صحيح الجريدة التي كنت أعمل بها كانت لا توفيني أتعابي، إذ تعطيني 10 آلاف دينار جزائري شهرياً (90 دولاراً)، لكن هذا المبلغ كان يساعدني في التنقلات وشراء بعض الأغراض وفوق ذلك إسعاد الوالدة".
وتضيف "توقفي عن العمل كمحررة جعلني أزداد إيماناً بالتفرغ لكتابة الرواية والقصة، وهو ما تم، بحيث كنت أستثمر كل أوقاتي في التحرير القصصي والروائي، ما مكنني من الكتابة في مجلة الديوان المتخصصة في الثقافة".
غياب الثقافة
تأسفت الروائية نادي بوخلاط من واقع ثقافة بلادها، والتي لم تلتفت لحال أديبة مشردة في الشوارع، وتسعى لتشريف الوطن في مختلف المحافل والمسابقات العربية والدولية.
فهذه الروائية الشابة سبق لها الحصول على المرتبة الأولى في مسابقة أحسن قصة في مهرجان "همسة"، في طبعته الثالثة بالقاهرة عام 2015، عن عمل "امرأة من دخان"، لكن الوضع المالي لها حال بينها وبين السفر لاستلام جائزتها.
وتقول نادية "لا وزارة الثقافة سألت عن واقعي بين الأزقة والشوارع، ولا السلطات المحلية نظرت لحالي. أما وزارة الثقافة الجزائرية والتي هي أمل الأديب والروائي، فلم ترد على الفاكس الذي أرسلته أشرح فيه حالتي".
وما حز في نفس بوخلاط هو أن زملاء الإبداع الأدبي أيضاً لم يكترثوا لحالها، ولم يسأل عنها سوى قِلّة قليلة، لكن رغم ذلك تقول "قلمي لن يجف، ولن أستسلم، وسأواصل".
وتعتبر بوخلاط العائق المادي السبب الأول في تأخرها في نشر أعمالها، حيث يوجد عدد منها حبيس الأدراج، إلى جانب مسودات تغازل ذكريات جامعة التكوين المتواصل، التي كانت تنهل من علمها.
"امرأة من دخان"
من رحم الحدائق والأزقة، ومن قلب المعاناة ولدت أعمال الروائية نادية بوخلاط، وكانت رواية "امرأة من دخان"، أول عمل يطبع وينشر لها في أكتوبر/تشرين الأول 2016، بالأردن، فكانت خطوة مهمة في حياتها.
"عازفة الماندولين"
بدأ دخان المرأة الحديدية نادية بوخلاط، ينقشع بين نسمات 2016، الذي شهد ميلاد مجموعة قصصية اختارت لها الروائية عنوان "عازفة الماندولين" وقد رأى العمل النور في ديسمبر 2016 بالأردن، ويضم ثماني قصص قصيرة تتناول مواضيع متنوعة، تجمع في جوهرها بين أنين الغربة وهموم المرأة ورحلتها في البحث عن حب يضمد جراحها.
تقول الروائية "تأثرت كثيراً في كتابتي بالروائي المصري إحسان عبد القدوس، الذي كان ملهمي الأول حيث كنت أسافر مع رواياته بمخيلتي، كما قرأت للعديد من الكتاب، أذكر منهم طه حسين، رشيد بوجدرة، الجيلالي خلاص، عبد الحميد بن هدوقة، ياسمينا خضرا، الطاهر وطار، وأحلام مستغانمي، لكن يبقى الواقع هو الملهم الأساسي لي".
"اليد اليمنى للكولونيل"
وتواصل إبداع الروائية المتجولة ليغوص في قلب الثورة التحريرية إبان المقاومة الشعبية للاحتلال الفرنسي، في عمل روائي صدر قبل أيام هو "اليد اليمنى للكولونيل".
تسرد الرواية بحسب بوخلاط "معاناة أهل القرى والمداشر إبان الاحتلال الفرنسي الغاشم للجزائر، وقد امتزجت فيها الخيانة بالحب ومشاعر التضحية والعطاء في سبيل الوطن، بطلتها 'شامة' والفدائي 'علي' ويقابلهما الكولونيل و'العكلي' الذي يمثل الخيانة والغدر".
ورغم أنها من الغرب الجزائري، إلا أنها اختارت لأحداث الرواية الجديدة قرية صغيرة بالشرق، وتضحيات سكانها ومعاناتهم من الاحتلال الفرنسي، وفيها تتجلى صور الخيانة ممزوجة بألوان الحب والتضحية والفداء للوطن والحبيب.
بداية الأمل.. كطوق البنفسج
في الوقت الذي بدأت فيه الروائية نادية بوخلاط، التحضير لإطلاق عملها الروائي الجديد "طوق البنفسج"، بدأت آمال انفراج جزء من محنتها. إذ قالت جريدة الشروق إن المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، لدى اطلاعها على حال الأديبة المشردة بين وهران وغليزان، وعدت بالتكفل بجزء من نفقاتها، من خلال استئجار شقة سكنية لمدة عامين والتكفل بطباعة أعمالها مجاناً.
وتأسفَ مدير المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية حميدو مسعودي، بحسب الصحيفة، لحال الروائية التي "لابد أن يتغير حالها عاجلاً، من خلال توفير مسكن، ومساعدتها في نشر مؤلفاتها لواقعها المادي الصعب، شرط أن تمر هذه الأعمال على لجنة القراءة على مستوى المؤسسة".
بوخلاط اكتفت بالتعليق بالقول: "سمعت هذا عبر الشروق، وسأكون في قمة السعادة لو كان لي ملجأ أستقر فيه وأواصل مسيرتي، وأحمي أمي المريضة من عناء التنقلات المستمرة من بيت لآخر".
هاف بوست