الكتب المدرسية بين العالم الافتراضي والواقع
شمس الدين العجلاني لا بد من الاعتراف بأهمية وخطورة هذا الواقع الافتراضي، وأعني به مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة التي غزتنا من حيث ندري ولا ندري… والإنسان في طبيعته كائن اجتماعي.. في أضعف الإيمان يمكننا القول إن مواقع التواصل الاجتماعي تتضمن كماً كبيراً من الأشخاص الوهميين، وقد حولهم «الفيس بوك وأشقاؤه» من الافتراضي إلى الواقعي.. ويمكن لهم أن يسرحوا ويمرحوا على كيفهم في اختراع القصص والحكايات والأحداث والوقائع حسب أهوائهم وآرائهم، أو حسب ما يرسمون لهم من سياسات، ولا يمكننا بحال من الأحوال نكران خطورة «الفيس بوك وأشقائه» حتى قيل إن الذي أسقط الرئيس حسني مبارك هو الفيس بوك! ومع كل سلبيات الفيس نراه ملجأ حقيقياً للعديد من شرائح المجتمع فتقول إحدى مستخدمات الفيس: «فأنا هنا لدي منبري الخاص الذي يساعدني على طرح أي فكرة تخطر ببالي من دون أن تصادر أفكاري حتى قبل أن أقولها. فأنا لم أعتد من زوجي أن يصغي لي فبعد سنوات زواج تجاوزت العشر توقفنا تماماً عن التخاطب إلا في الضروريات وأحوال الأولاد ومصروف البيت والالتزامات.. فأشعر بأن الفيس متنفسي لأقول ما يرهقني ويتعبني من دون أي صد أو حتى عدم استجابة». بينما يقول مجموعة من الشباب بعمر 16: «وهل هناك مكان يمكن أن يصغي إلينا فيه أحد ونستطيع أن نعبر عما يتعبنا ويرهقنا سوى الفيس»؟ وهنا تكمن الخطورة الاجتماعية، فقد حل الفيس بوك في عالمنا العربي بالنسبة للبعض، وهم شريحة غير قليلة، مكان الزوج والعائلة وأفقدهم ثقافة الحوار وجعلنا ندع أطفالنا ويافعينا عرضةً للتلاعب من تلك المواقع سواء على صعيد الأخبار الملفقة أم مظاهر العنف والترويج لقيم لا تتشابه بالمطلق مع قيمنا التي تمثلنا. ونقول إن ما يحدث الآن على الصعيد التربوي في بلادنا يساهم ومن دون قصد منا بتشويه وتسميم الأفكار التي ستؤدي إلى سلوك يومي سيتحول لعادات سيئة وغير مقبولة ستشكل لاحقا خريطة جديدة لمجتمع لا يشبهنا. ونعود إلى موضوعنا الرئيس وهو الحملة الشرسة على موقع الفيس بوك «نأخذه مثالاً» على وزارة التربية والمتمثلة بـ«المركز الوطني لتطوير المناهج التربوية» بشأن ما اصطلح على تسميته تطوير الكتب والمناهج التربوية..
أغلفة الكتب المدرسية المرعبة
في البدء لا بد من القول إننا لن نعمل على إصدار صك براءة لأحد، فالمسؤولية جماعية، ولا بد من الإشارة بالبنان إلى كل خطأ مقصود أو غير مقصود لأنه يمس المجتمع برمته… «ضجت» مواقع التواصل الاجتماعي بالانتقاد والسخرية من أغلفة الكتب المدرسية لهذا العام… وهنا اختلط الحابل بالنابل! فالكثير من السخرية والانتقاد كان بطلها «الفوتوشوب» بمعنى أن الكثير من الأشخاص الوهميين أو الحاقدين صمموا أغلفة كتب مرعبة ونسبوها إلى الكتب المدرسية! وكثير من صفحات الفيس بوك حتى الرسمية منها تناقلت هذه الأغلفة المزورة! ولكن يبقى العتب على الجهة التي فتحت الباب «المجال» ليدخل منه من يريد الاصطياد في المياه العكرة.. نحن في ظروف استثنائية ومن ثم يجب أن تكون كل أعمالنا وطروحاتنا استثنائية أيضاً، ولا نسمح لأصحاب النيات الصادقة أو الكاذبة «بالأخذ والرد». ظهر على مواقع الفيس بوك عدة أغلفة للكتب المدرسية، وهي في طبيعة الحال وأقل ما يقال عنها أنها مرعبة، وهذه الأغلفة مأخوذة عن لقطات من أفلام الرعب الأجنبية، وجاء دور «الفوتوشوب» وأصبحت أغلفة مدرسية صادرة عن وزارة التربية، ومع الأسف فهنالك العديد من الصفحات الفيس بوكيه «تغرق في شبر مي» حسب المثل القائل، فأخذت تتناقل هذه الأغلفة على أنها إصدار وزارة التربية مع الكثير من السخرية.. ولا نستثني من تلك، الصفحات الرسمية منها وخاصة الإعلامية.. فهل نعطي صك براءة إلى الجهة التربوية التي صممت وأصدرت أغلفة الكتب المدرسية لهذا العام الدراسي؟ وعلى عجالة نقول لن نبرّئ المديرية التربوية صاحبة الشأن من ذلك.. فهي من أعطت رأس الخيط لمن يريد الاصطياد بالمياه العكرة، وهي من أخطأت في اختيار بعض الأغلفة التي تثير السخرية أو لنقل تثير التساؤلات، فهل غلاف لكتاب ديانة يمثل أحد الأوابد التاريخية ويظهر به «حاشاكم اللـه» مجموعة من الحمير! ترى ألا يوجد في سورية إلا هذه الآبدة التاريخية لنستشهد بها؟ ألا يوجد تمثال عريق حضاري يمثل حضارتنا صاحبه الآلاف من السنين إلا لملك «ماري ايتور شماكين» أو الملك «إيشوب إيلوم» في مملكة «ماري» وأنا لم أعرف التسميتين ولم يسبق أن قرأت عنهما الذي قال عنه المنتقدون إنه يذكرهم بـ«داعش»! ألم يكن بالإمكان تهذيب أو تلطيف الصورة وإخراجها بطريقة تجعل من يراها لديه فضول ليعرف لمن هذه الصورة وما تاريخها، لا أن تدب الرعب في قلبه؟ وهذا ممكن جداً وبسيط لحضارتنا التي تملك كنوزاً لا تحصى.. وإن قال قائل ومنهم من العاملين في موقع القيادة في تطوير مناهجنا، إنه تم تكليف أهل الفن في إعداد وتصميم أغلفة الكتب المدرسية، بمعنى آخر إن هذه الأغلفة تنطوي تحت مسمى الفن، وأحد تعاريف الفن: «الفن أو فَنّ و(الجمع: أفانين وأفنان وفنون) هو جملةُ الوسائل التي يستعملها الإنسان لإثارة المشاعر والعواطف وبخاصة عاطفة الجمال، كالتصوير والموسيقا والشعر وهو أيضاً موهبة ومهارةٌ يَحكُمُها الذوقُ والمواهب ويقال الفنّ للفنّ وهو مبدأ ينادي بأن قيمة الفن في ذاته، أما الفنّ للمجتمع فهو مبدأ ينادي بأن قيمة الفن في خدمته للمجتمع، والفن لغة للتعبير عن الذات الجوهرية رغم أن بعض العلماء يعتبرون الفن ضرورة حياتية للإنسان كالماء والطعام..». وفي معرض الدفاع عن أغلفة الكتب يفاجئنا أحدهم، وهو في موقع صنع القرار للكتب المدرسية، في كشف سر لا يعرفه أحد في سورية! ألا وهو اكتشاف حيوان المرموط في بلادنا! فيقول: «وبالمناسبة لا أحد يعلم أن لدينا في سورية أنواعاً من القطط البرية وهذا من الأشياء النادرة على مستوى العالم. وضعنا حيوان المرموط البري، وطائر النواق أو أبو منجل الذي اكتُشف في العالم وكان يُعتَقَد أنه انقرض على مستوى العالم، وبهذه الطريقة عززنا مفهوم التنوع الحيوي من خلال أغلفة كتب العلوم»… بالله عليكم اتقوا الله..الدفاع عن أغلفة الكتب
وفي معرض الحديث عن أهمية وحضارة أغلفة الكتب المدرسية يقول صاحب الشأن: «أغلفة الكتب التاريخية حملت تحفاً ولقى أثرية عالمية من التراث السوري، وكمثال فإن كتاب قضايا تاريخية للصف الأول الثانوي حمل تمثال ملك ماري ايتور شماكين الذي بني قبل 2500 من ميلاد السيد المسيح في شرق سورية…. إن أغلفة كتب اللغة العربية تمثل لوحات فنية تعزز الثقافة الفنية والتذوق الجمالي لدى المواطن الذي يركز عادةً على العلوم والرياضيات والفيزياء والكيمياء واللغة العربية لأنها ستدخله إلى الجامعة، وهذا خطأ لا يبني الإنسان. لذا نتوجّه اليوم لتعزيز الموسيقا والفنون التشكيلية والرياضة. مشيراً إلى أن الكثير من الناس لم يسمع برواد الفن التشكيلي في سورية.. لذا وضعنا لوحات الفنانين التشكيليين السوريين المعروفين على مستوى العالم أغلفةً لكتب مادة اللغة العربية، حيث بدأنا في الرواد الأوائل ممن رحلوا أمثال أدهم إسماعيل، ممدوح قشلان، لؤي كيالي، نصير شورى وغيرهم.. ولنعزز المواطنة يجب أن نعطي وجهة الغرب تجاه بلادنا فوضعنا على أغلفة الكتب الإسلامية لوحات لفنانين أجانب؛ أميركيين، إنكليز، هولنديين، طليان، ممن رسموا سورية وأوابدها التاريخية والدينية في القرون الماضية من 200-300 سنة وهي لوحات فنية أيضاً وكتبنا على كل غلاف ما المحتوى».الوجه الآخر
صحفية في جريدة الثورة وبقلم «ر. ع» توجه كلامها للسادة المسؤولين في وزارة التربية.. والسادة أعضاء مجلس الشعب.. فتقول: «… حتى لو كانت هذه الصور لها معنى تاريخي ولكنها مرعبة ولا تليق بتاريخ يصنعه اليوم أبطال الوطن وشعبه الطيب الصامد.. لربما ما وضع على الغلاف جدير أن يدرس كمعلومة ضمن المنهاج ولكن هذا لا يعني أن توضع كصورة غلاف تؤذي النفس بكآبتها. فهناك صور أخرى ممكن أن توضع على الغلاف تبين المعاني الحلوة في الحياة والعلم وفي أسوأ الاحتمالات إن لم تحمل الصورة معنى إيجابي يمكن أن تكون صفحة بيضاء وهذا يكفي». أما الشاعر والإعلامي في الإذاعة السورية «ع. ض» فيقول: «لتكون عيوننا على كتب أطفالنا.. على الجميع أن يتفحص المنهاج الجديد.. لماذا الآن وهذا التوقيت وهل هذا يرضيكم أنتم؟ هل هذا يؤسس لمستقبل سوريتنا التي نزفت دمها وزفت عشرات الآلاف من الشهداء في مواجهة المشروع التكفيري الإرهابي؟ أشيروا بالبنان لمن يستخف بمستقبل أبنائنا!».وعند جهينة الخبر اليقين
إذاً يدّعي أصحاب الشأن في تصميم أغلفة الكتب المدرسية أنهم يسعون للتعريف بتاريخنا الحضاري العريق…. ولكن أليس من الأجدى أن يكون ذلك من خلال مضمون الكتاب أولاً؟ في مضمون كتب مناهجنا المطورة، هنالك أخطاء وأخطاء، والله أعلم، لأن من قام بالإشراف والإعداد والتدقيق لهذه الكتب المدرسية يفتقر إلى الكثير… ولن نخوض في غمار ذلك.. ولن نخوض في غمار الأخطاء، سنكتفي بإشارة سريعة بما كتب هنا في صحيفة «الوطن»، الأستاذ «س. ي» أعطى لمحة سريعة عما تضمنته الكتب المدرسية وافتتاحيات هذه الكتب ورأيه في كل ذلك.. والدكتور س. م «أيضاً عدد في مقالة له» هنا في «الوطن» اثنتين وعشرين ملاحظة على مضمون كتاب «تاريخ الوطن العربي الحديث والمعاصر» المقرر في منهاج البكالوريا الأدبي لهذا العام تحت عنوان (تزوير كتب التاريخ المدرسية نتيجة خطأ أم جهل؟)وبعد
لا بد من البحث عن آلية لضبط صفحات الفيس بوك «وإن كان ذلك من المستحيل» ولكن إلى حد ما ممكن عمل الكثير.. ونحن أكثر ما نحتاج اليوم في ظل ما تتعرض له بلادنا الغالية إلى تطبيق القول: «أعط كل ذي حق حقه، وفهمكم كفاية»… ملاحظة- تعمدت عدم ذكر أي اسم لأصحاب الآراء والتعليقات.
- كانت صفحات الفيس بوك المختلفة هي المرجع الأول لما نشرناه.