خالد عبود يكتب: الدولةُ حسمت انتصارها.. لكن.. ماذا عن السوريّين؟!!..

-ممّا لا شكّ فيه أنّ لحظاتٍ صعبةً تمرّ علينا كسوريّين، نواجه بها وضعاً معيشيّاً خانقاً جدّاً، أساسُهُ مجموعةٌ من الأسباب، منها ما هو ٱنيّ وذاتيّ، ومنها ما متعلّقٌ بأساس العدوان وطبيعة استهدافاته للسوريّين..

-لا نعتقد أنّ ما نواجهه هو خاصٌّ بنا وحدنا، ولم يسبقنا له أحدٌ آخر، بالرغم من خصوصيّة طبيعة الاستهداف الذي نال منّا، ومراحل ومستويات هذا الاستهداف، سياسيّاً واقتصاديّاً واجتماعيّاً وروحيّاً..

-إنّ قدرتنا على التحمّل تتراجع، وهذا أمر طبيعيٌّ، كما أنّ قدرتنا على فهم التحولات الكبرى تضعف، وهذا أمرٌّ طبيعيٌّ أيضاً، وذلك عندما نفهم حركة التاريخ جيّداً، وعلاقة وجدان الشعوب بهذه الحركة والتحولات التي تصيب المجتمعات، عندما يتمّ استهدافها بهذه الطريقة المركّزة والمكثّفة..

-لا يعيبنا هذا الشعور بالقلق والتعب، ولا يعيبنا هذا الشعور بتراجع همّتنا، أو بفقد بعضنا ثقته بالقدرة على استيعاب ما نتعرّض له، فهو أمرٌ حقيقيٌّ وموضوعيٌّ، كون أنّنا جزء من شعوب الأرض، وشعوب الأرض لا تمتلك تمريناً كافياً للتعامل مع تبعات الاستهدافات الكبرى، خاصة كتلك التي استهدفت وتستهدف السوريّين..

-نعم هناك عدوان تعرّضنا، ونتعرّض، له، كانت تبعاته واضحة، وكانت تفاصيله خطيرة جدّاً، لكنّه أيضاً هناك تداعيات داخلية كبيرة نعاني منها، وهي تداعيات كانت وستكون تجلياتها ضارّة بنا، انعكست وستنعكس أكثر على منظومة القيم لدينا، وبالتالي فنحن سنعاني من ضرر روحيّ، سيرتدّ سلباً على مفهوم المواطنة الجامعة لدينا..

-إنّ جملة ما نعانيه ليس مفصولاً عن بعضه بعضاً، وإن بدا لنا غير ذلك، ففقدان كثيرٍ من السوريين القدرة على استيعاب ما حصل، ومنذ اللحظات الأولى للعدوان عليهم، كان مفهوماً في ظلّ مكنة إعلاميّة خطيرة، وتركيز مدروس عليهم، جعلهم غير قادرين على فهم ما يحصل لهم وبهم..

-كذلك بالنسبة لهجرة البعض منهم، فقد كانت تسوقهم ذات الظروف والمناخات الأولى، والتي منعتهم من القدرة على فهم طبيعة الحاصل، كذلك بالنسبة لما تعرّضوا له في مراحل أخرى، من فقدان ثقتهم ببعضهم بعضاً، أو فقدان ثقتهم بمؤسساتهم، وصولاً إلى فقدان ثقتهم بدولتهم..

-حتّى أنّ الفساد والغلاء الذي نعاني منه، أو الذي يحاصرنا وينال منّا، فهو ناتج تبعات العدوان علينا، فجزء واسعٌ من الفساد هو تابعٌ من توابع العدوان، وهو امتدادٌ له، ولا يختلف في أهدافه عن العدوان ذاته، إن كنّا ندري أو لا ندري..

-إنّ مناخات وظروف مراحل العدوان علينا، انعكست على طبيعة بعض الأفراد في كلّ مواقعهم، والأخطر كانت تلك الانعكاسات على طبيعة بعض الأفراد الذين يعملون في مفاصل مؤسسات الدولة، والذين بدورهم ساهموا في أن يكونوا أدواتٍ للعدوان ذاته..

-إنّ اتّساع رقعة الفساد، عموديّاً وأفقيّاً، في الدولة والمجتمع، وتنوّع مستوياته وأشكاله، هو امتدادٌ خطيرٌ للعدوان وتبعاته، وهو نمطٌ من أنماط انعكاساته، نتيجة أنّ أهم ضحايا وإصابات العدوان، كانت من داخل المجتمع، أفراداً وجماعاتٍ، إن كانوا ضمن أنساق مؤسسات الدولة، أو كانوا ضمن أنساق المجتمع..

-كلّ ذلك ساهم في خلق ظروفٍ حياتيّة ومعيشيّة، وأخيراً قيميّة - وطنيّة، ضارة بنا جميعاً، وهو ما أفقدنا قدراتٍ وطنيّةً عديدةً، انعكست على ثقتنا ببعضنا بعضاً، وثقتنا بالدولة أخيراً، عنواننا الجامع الوطنيّ الرئيسيّ..

-ثقتنا بصمود الدولة وانتصارها محسومٌ تماماً، وثقتنا بالدور الذي تؤسّس له الدولة الآن، والذي سوف تلعبه لاحقاً، إقليميّاً وعربيّاً ودوليّاً، بفضل تضحيات ودماء وبسالة وجوع وكآبة وحاجة وقلق وعوز السوريين، محسومٌ أيضاً..

-لكنّ غير المحسوم حتّى اللحظة، هو انتصار السوريين، في معيشتهم وحاجاتهم وطعامهم وشرابهم، وهذه كلّها من مهمّات وواجبات الدولة التي انتصرت، بفضل دماء السوريين أنفسهم، أولئك عانوا طويلاً..

-لكنّه في الآن ذاته، لا يمكن للدولة أن تقوم وحيدة بهذه المهمة، والتي نجزم أنّها سوف تنجح في حسمها، فهي بحاجة ماسةٍ إلى طاقات البعض الذين يشكّلون أعمدة المجتمع الرئيسيّة، اجتماعيّاً وثقافيّاً وروحيّاً، كون أنّ هذا الدور الذي يمكن أن تلعبه هذه القوى المجتمعيّة، سوف يحدّ من حجم الخسائر المجتمعيّة، التي سوف ترافق مرحلة خروج المجتمع من معركته، وحسم انتصاره على العدوان وأطرافه..