هبة الله الغلاييني تكتب: المثليّة والأديان .. هل حرَّم الدّين المثّليّة..؟ هبة الله الغلاييني هل حرَّم الدّين المثّليّة

سؤالٌ يتردّد كثيراً بين العامّة والخاصّة، أليس الله هو الخالق، وهو خلق الميول المثّليّة داخل البشر فهل يخلق شيئا ثمّ يحرّم؟ أمّ أن وراء التّحريم أسباب اجتماعيّة وتاريخيّة؟ أليس الدّين تجربة خالصة بين الإنسان والله في المقام الأوّل؟ لماذا لا ندع كلّ شخص يصنع تجربته الإيمانيّة بحريّةٍ ما دام هو من يحاسَب عليها بمفرده؟

تقول “آلاء”، مثليّة الجنس، مسلمة، أنها اكتشفت ميولها في عمر السّادسة عشرة، وذلك عندما بدأت تحلم بعلاقاتٍ مع النّساء بشكّلٍ دائم، آنذاك لم تتقبّل تلك الميول، وكانت تصحو من النّوم باكيةً، وهي تدعو الله أن يُبعد عنها هذه الأحلام، وأن يأخذ بيدها كي لا تقع في المعصية.

كانت “آلاء” تحضر بانتظام دروس دين في إحدى المساجد، ومرّة ذكرت الشّيخة قوم لوط أثناء الدّرس، وأرفقت ذلك بالآية التي يسخط فيها الله على ذلك القوم، نظراً لشذوذه، وبأنهم يأتون الذّكران عوضاً عن النّساء، وأرادت أن تسأل شيختها حول ميولها الجنسيّة، وأحلامها، وكيف ينظر الدّين الإسلامي إلى السّحاق؟ غير أن خجلها وخوفها من الفضيحة منعها من ذلك، واستعانت بالصّلاة والدّعاء حتى تتخلّص من رغباتها المجنونة.

يتحدّث “مايكل” من خلفيّة مسيحيّة كاثوليكيّة، ويقول: “أنا لم أتقبّل ميولي، بسبب ما تعلّمته عن المثّليّة والخطيئة، وأنها تؤدي للهلاك، وكنت دائماً أخاطب الله قائلاً: لماذا يا ربي خلقتني هكذا؟”.

أمّا “استيفان”، مثّلي الجنس، مسيحي إنجيلي، يقول: “إن تجربته أخذت مساراً بعيداً عن الاستنكار، لسببين: الأوّل دعم العديد من المحيطين به، والثاني طبيعة المذهب الإنجيلي، الذي لا يرى في المسيحيّة ديناً طقسيّاً أو قوانين للهلاك والنّجاة، بل هي أقرب لعلاقةٍ بين الإنسان والله”.

المثليّة والأديان .. هل حرَّم الدّين المثّليّة ..

إن جو التّقبّل لـ”إستيفان” هو الاستثناء قياساً إلى المجتمع العربي

وفي معرض ربطه بين إنجليّته ومثّليّته، يقول “استيفان”:

إن المسيح خاطب من يرون أنفسهم غير أصحاء، لذلك لم يرفض المثّليّين”، مضيفاً: “أنا مدرك ومؤمن أن الله يحبّني كما أنا، وأن المسيحيّة هي اكتشاف علاقتي مع الله، وحتى ذلك الوقت أشعر بحبّه وأنا مثّليّ، والله يريد أشخاصاً حقيقيّين غير مزيّفين في علاقتهم به، وهذا جعلني أفخر بحقيقتي المثّليّة.

تقول “شيرين”

إنها غير متأكدة من الموقف الدّيني من ميولها، لكنها في تصالح تامّ مع الله، وواثقة من غفرانه ورحمته: “أنا مسلمة متديّنة، وأحافظ على عباداتي، علاقتي مع الله معقّدة وصعبة، غير أنني متصالحة معه”.

يصعب تعميم مراحل العلاقة مع الدّين على جميع المثّليّين، فهناك نسبة منهم لا تنشغل برأي الدّين، بينما هناك المتشدّد في دينه، الذي لا يفصل بين الأمرين.

يُخبِر “يوسف”

ثنائي الميول والملحد، أنه اكتشف ميوله بعدما أصبح ملحداً، لذلك لم تكن لديه مشكلة على الصّعيد الدّيني مع تقبّلها، لكن ذات مرّة، وخلال تعارفه على شخص مثّليّ مسلم، سأله الأخير عن دينه، فأخبره بأنّه ملحد، فردّ المثّليّ المسلم بأنه لن يتعرّف على مثّليّين أو ثنائيّي الجنس غير مسلمين!!!!

أمّا بالنسبة الى قصّة قوم لوط، وهي الشّاهد الأهمّ في عقاب المثّليّين في الإسلام والمسيحيّة، يختلف تفسير القصّة من دينٍ لآخر، ومن شخصٍ لآخر.

المثليّة والأديان .. هل حرَّم الدّين المثّليّة ..

يقول “حسين”، مثّليّ، مسلم

حول رأي الإسلام للمثليّة، بأن هناك تفسيراتٍ عدّة لقصّة قوم لوط، كما أن القرآن لم يذكر موضوع المثّليّات اللواتي يمارسن السّحاق!”، ثمّ يتابع: “إن سبب هلاك قوم لوط هو أنّهم أفرطوا بعصيان الله، وأنّهم كانوا يأتون الذّكر من دون الأنثى”، ويرى “حسين” أن المثّليّة لو كانت ذنباً، فباب التوبة مفتوح، ويسأل في المقابل: كيف يكون الحبّ حراماً؟ معقّباً: “أنا في تصالح تامّ مع الله، وما أهتمّ به هو القلب السّليم والنّيّة الصّافية”.

لم أجد آيةً في القرآن الكريم تتحدّث عن المثّليّة الجنسيّة

أو المثّليّين الجنسيّين، هذا ما يوضّحه “إيهاب”، جزائري الجنسيّة، مثليّ الجنس، ويكمل: “كلّ ما هنالك في قصّة قوم لوط، الذين كانوا يعبدون الأصنام، وكانوا يمارسون مع نفس الجنس بعنفٍ، وقوّةٍ إلى درجة الاغتصاب، علماً أن قوم لوط لا علاقة لهم بالمثّليّة الجنسيّة كما هي متعارف عليها اليوم، في القرآن الكريم عدّة آيات تتحدّث عن قوم لوط، وفي آية قرآنيّة يقول عزّ وجلّ: “ما سبقكم بها من أحد من العالمين”، وهذا دليل على أن لقوم لوط ممارسات جنسيّة رفضها الإسلام، كما أنّهم لا يمثّلون المثّليّة الجنسيّة التي لم تظهر في تلك الفترة، فقد كانت قبل قوم لوط، واستمرّت من بعدهم.

لقد سمّى القرآن الكريم المثّليّة الجنسيّة، أو اللواطة، نسبة إلى قوم لوط، وإن كره البعض هذه التّسميّة، حتى لا يُذكر اسم نبيّ الله لوط مرتبطاً بجريمة، وإن كانت نبوّته تُنكرها، لأن قومه كانوا قطّاع طرق، يخطفون الذّكور ويفعلون الفاحشة معهم علناً، وعلى مرأى من العالم، وبشكّلٍ جماعي، سمّاها الفاحشة، “ولوطاً إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم مبصرون”.

ولم يَرِدْ في القرآن عقوبة صريحة عن هذا الفعل في الدّنيا، في قوله تعالى: “واللذان يأتيانها منكم فآذوهما، فإن تابا وأصّلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان تواباً رحيماً”. هذه الآية تتحدّث عن إتيان الذّكران بعضهما، وأن العقوبة هنا هي الإيذاء بالكلام، والتوبيخ، إلى أن يتوبا، فإن تابا، فتنتهي العقوبة، ولا يوجد حديث عن عقوبة جزائيّة في الدّنيا، ما يهم الإسلام، وجميع الأديان، هو الحفاظ على مجتمع سليم معافى.

ريتينغ بروكشن