نبيه البرجي يكتب .. عيونكم على ... دمشق !
أولئك المعارضون السوريون الذين هبطوا , للتو , من سراويل القناصل , وراحوا يتنقلون بين الغرف الدنيا (الأدنى من الدنياً) في الادارة الأميركية .
مثلما كان مصيرهم مصير أكياس القمامة (هم قالوا لنا ذلك) على أرصفة اسطنبول , وأرصفة الرياض , وأرصفة باريس , مصيرهم هكذا على أرصفة واشنطن ...
حجتهم الخوف على سوريا من أن تغدو "مستعمرة ايرانية" . الأميركيون , مثل الايرانيين , يدركون ما هي سوريا , وما هو تاريخ سوريا , ومن هم أهل سوريا التي كانت , وتبقى , أرض العرب , أو ما تبقى من العرب
كلامنا عن سوريا ليقيننا ليس فقط أن تفكيك الأزمة هناك , يستتبع , تلقائياً , تفكيك الأزمات في لبنان , وانما لأن وجود لبنان , ومستقبل لبنان , يرتبط , عضوياً وديناميكياً , بوجود سوريا , وبمستقبل سوريا .
ونحن في أروقة الجحيم ونتسول حتى الطعام لجنودنا ,
لا نقول بالنظام المقدس في سوريا . ولكن أي مقارنة بين الفساد داخل المنظومة السياسية هناك , وحيث لا ديون عليها , والفساد داخل المنظومة السياسية في لبنان الذي يرزح تحت جبال من الدين العام ؟
هل من تقرير دولي تحدث عن ثروة الرئيس حافظ الأسد وعن القصور التي أورثها لأسرته , وفي اي مصارف أودع ملياراته ؟ ما ينطبق على الأب ينطبق على الابن الذي , اذ ترعرع بين الأيدي النظيفة , لا شيء , أجل لا شيء , لديه سوى راتبه الشهري ...
لا أحد ينفي أن بعض الأجهزة الأمنية , وبالرغم من ضبطها الى أقصى الحدود , تبالغ أكثر من اللزوم في التعاطي مع الأصوات المعترضة , حتى الأصوات التي لا غبار عليها , دون أن يبرر ذلك الوضع العصبي الذي تعيشه تلك الأجهزة بسبب الأخطار التي لا تزال تحدق بالبلاد .
ولكن ثمة هواجس أمنية تحكم سوريا , و منذ انقلاب حسني الزعيم , حلبة لصراع أجهزة الاستخبارات على أنواعها , لتظهر النتائج في الانقلاب الذي أودى بالوحدة بين مصر وسوريا . هي الوحدة التي كان يفترض أن تكون الطريق الآخر الى المستقبل العربي الآخر .
بالاضافة الى ما أحاط بسيناريو الانقلاب , انيطت ادارة مؤسسات الوحدة بشخصية هشة , وضحلة , ومتهتكة مثل عبد الحكيم عامر الذي كان يمضي ليلة 5 حزيران 1967 على مائدة الحشيش عند برلنتي عبد الحميد حين كان موشي دايان يتنقل بين الخندق والخندق !
لم تعد سوريا كذلك منذ أن تسلم الرئيس حافظ الأسد مقاليد السلطة . بات لها دورها المحوري في المنطقة (اذا تابعتم أقوال جيمس بيكر وهنري كيسنجر) , حتى اذا ما وقّع أنور السادات اتفاقية كمب ديفيد , قال اسحق شامير "اذا كان الرئيس المصري قد أتى الى أورشليم على متن الطائرة , الرئيس السوري سيأتي سيراً على الأقدام" .
الأجهزة الأمنية في سوريا تعيش هاجس ما وصفه لنا مسؤول سوري كبير "حديقة الثعابين" . كانت الخطة التي وضعت بالتنسيق بين واشنطن وعواصم عربية واقليمية , تلحظ غزو سوريا , أوتوماتيكياً , بعد غزو العراق . لا مجال هنا لذكر العوائق التي حالت دون ذلك . من هنا كان اللجوء الى البديل . التفجير من الداخل .
الشرارة الأولى انطلقت من الأردن , من اربد بالذات الى درعا بالذات , وكان رجب طيب اردوغان بمثابة الحصان الخشبي في ادارة النيوانكشارية (الاخوان المسلمين) الذين بدأوا بتنظيم التظاهرات في أكثر من مكان وعلى أساس أن تقويض النظام خلال أيام لا خلال اسابيع , حتى اذا ماسقط االرهان بدأ البحث الجهنمي , وفي اصقاع الدنيا , عن أولئك الذين ترعرعوا على ثقافة تورا بورا .
ألم يلاحظ وفد المعارضة أن أميركا تقف وراء التحول الذي حدث في سياسات الأردن حيال سوريا , بعدما تبين لادارة جو بايدن مدى التداعيات الدراماتيكية للحدث الأفغاني على مصير الحلفاء في المنطقة , ما يستدعي اعادة ترتيب العلاقات والمعادلات ؟
كل الطرقات مفتوحة باتجاه دمشق التي اذ قال فلاديمير بوتين في بداية الأزمة (ولطالما أشرنا الى ذلك ) ان النظام الدولي الجديد ينبثق منها , هل ينتظرنا نظام اقليمي جديد ؟
عيونكم على ... دمشق !!