«كباريهات» التل ومعربا تنبعث افتراضياً!
وسام كنعان
«لو كان الفقر رجلاً لقتلته» كان على إمام البلاغة علي بن أبي طالب أن يكون حاضراً اليوم في سوريا، ليعيد التفكير ملياً في قوله المأثور، الذي ما زال تداوله بكثافة مستمراً منذ أكثر من 1400 عام من دون أن يتزحزح عن الوجدان الجمعي للناس، خاصة في منطقتنا التي فتتّها الفقر، وأغشى على قلبها العتم والتشرّد، عدا عن مشاهدها الليلية التي تسحل الخاطر!
لكن هل يحقّ للفقير أن يقتنص حصّته من الحياة متجرّداً من الأخلاق؟! السؤال فعلياً غير محسوم، ويستحق بحثاً عندما يتعلّق الموضوع بجوع الأطفال مثلاً، والجوع عموماً! سبق لعمر بن الخطّاب أن أوقف الحدّ الشرعي لجريمة السرقة بسبب تفشّي الفقر! ولم تكن هذه قاعدة إسلامية، إنما حكمة مترفة بالعدل، ترتبط بشكل وثيق بالقيادة العميقة للدولة!
على أيّ حال، يمكن القول بثقة بأن هناك فنانين سوريين جياعاً هم وعائلاتهم اليوم، وإن لم يكونوا فنانين، فقد هَيّأت لهم منافذ الحياة، فرصاً ليعملوا في مجال التمثيل. الكلام لن يدعو أيّ عاقل للسؤال عن أي دور في التصدي لذلك من قبل نقابة الفنانين المتآلكة في سوريا بجهود النقيب زهير رمضان وفريقه «الفرجة» لأن المؤسسة النقابية باتت عبارة عن كوة تحصيل ضرائب، تدفع تعويضات ورواتب تقاعدية مهينة وبطريقة أكثر إيذاءً من الجوع نفسه! طيّب هل يعني ذلك أن على الفنانين أو المحسوبين على التمثيل أن يكسبوا رزقهم بدون التفكير في الحالة المهنية، أو أيّ ملامح أخلاقية أخرى؟! قد يكون السؤال الآن متأخراً أكثر من اللازم، لأن السيف قد سبق العذل بعدما دخل موقع اسمه Bigo Live إلى سوريا وفتح باب الاسترزاق لعدد ليس قليلاً من المحسوبين على مهنة التمثيل، وغيرها من مهن الرأي العام. والمفارقة بأن بعضهم ليس محتاجاً، ولا ينقصه شيء، بخاصة إذا ما قورن وضعه مع عدد كبير من زملائه المتهالكين، بذريعة الظرف الاقتصادي الخانق وتبعات الحرب المسعورة! الموقع رفع الستار عن طريقة يعتاش من خلالها كلّ زائريه، ليس من بوابة التمثيل، إنما من منفذ يعتبر معادلاً موضوعياً لما كان يحصل في «كباريهات» التل ومعربا (ريف دمشق) عندما كان يصعد أي رجل متنفّذ على المسرح، يطلب من المغنية أو الراقصة أن تكرر وارءه التحيّات لمن يشاء، فيما يتفنن هو بإفراغ المال الوفير من جيوبه بصيغة متباهية كأنه يفتح الأندلس! الحالة المبتذلة كان يسمّيها روّاد تلك الأماكن «الرشّ».
اليوم يعيد الموضوع إحياء نفسه لكن بشكل افتراضي، عندما يدير الممثلون حوارات ساذجة بين بعضهم، أو مع شخصيّات معروفة في عالم السوشال ميديا من يوتيوبر أو إنفلونسرز أو بلوغرز... ويبدأ الانصياع التام لرغبات المتابعين، وتنفيذ أوامرهم ربّما، والتهريج الساذج كرمى لعيونهم، وبغية تسليتهم مقابل دفع المتابعين نقوداً على شكل حبّات فاصولياء، وكلّما جمّع زائر الموقع مونة أكثر، كلّما زاد رصيده المالي الذي يتسلّمه شهريّاً من خلال مكاتب وكلاء موجودة في غالبية أنحاء العالم وقد صارت حاضرة في سوريا أخيراً. طبعاً يضطّر هؤلاء الممثلون للضحك على طرائف بائدة، وإدارة حوارات مهلهلة جوفاء مع شخصيات ركيكة فارغة من كلّ شيء سوى المتابعين على السوشال ميديا.
عدا عن محاولاتهم إنجاز هضامة وكوميديا بالية، كلّ ذلك مقابل المال، وقد يصل دخل الشخص إلى آلاف الدولارات شهرياً لو كان نشطاً ويعرف من أين تؤكل الكتف على هذا الموقع. ويعتبر الممثل السوري يزن السيّد واحداً من أنجح الناشطين على هذا الموقع، يرافقه عدد كبير من زملائه بينهم: سوسن ميخائيل وديمة بياّعة ونزار أبو حجر ومهى المصري وعبير شمس الدين...! علماً أن كلّ ما يحدث على الموقع يجري ضمن ضوابط رقابية صارمة، تمنع أي تعاط سياسي أو ديني أو جنسي، أو حتى ترويجي ولو غير مقصود للدخان والمخدرّات والمسكرات... أمر يعتبره البعض ميزة، ولو كان الأسلوب مبتذلاً لكنّه بحسب هؤلاء يبقى باب عيش أخف وطأة من مشاركة الممثلين في مسلسلات هابطة تسهم في الإطاحة بالذوق العام!
الاخبار