د نزار العاني : عندما طلب الكسم من الصحفيين عدم النق
صاحبة_الجلالة _ متابعة
نق نق نق... نقنقة ونقانق
د. نزار العاني
تقديم :
أحد المعاني المعجمية لهذين الحرفين والفعل (نقَّ نقّاً ونقيقاً ) هو صوت العقارب ، وفي المعاجم أيضا صوت الدجاج ! وعموماً صوت الحيوانات ، وأهم استخداماته قولنا ( نقيق الضفادع) ، أما أشهر من استخدم المصطلح كتهمة للصحافيين فهو رئيس وزراء سورية الأسبق الدكتور عبد الرؤوف الكسم ، وإليكم الحكاية بإيجاز .
لم يكن الكمبيوتر والكتابة بوساطته قد ذاع وانتشر ، وكنت أكتب وأسلم المواد باليد لأحد محرري جريدة تشرين . ذات يوم ذهبتُ لتسليم إحدى مقالاتي وإذ الجريدة خاوية خالية ، وأسأل : أين الشباب ؟ قيل لي أن الشباب يحضرون اجتماعاً طارئاً دعى إليه رئيس الوزراء . في تلك الأيام الغابرة ، كان هناك زاوية صغيرة في الصفحة الأخيرة ، يتناوب على كتابتها الشباب ، ومهمتها توجيه سهام النقد للسلبيات ، ويبدو أنها أزعجت الدكتور الكسم .
في الاجتماع إياه ، كما نمى إلى علمي ، أخرج د. الكسم قصاصات كثيرة من جيب سترته الصغير ، ولوح بها أمام المحررين صارخاً بأعلى صوت سوبرانو : الكتابة في هذه الزوايا ليست (نقداً) ، بل هي (نقّاً) ، بعد حذف حرف (الدال) ! وأصدر الفرمان الوزاري الشفهي ومضمونه : ممنوع النق ، أي اخرسوا .
تأخير:
منذ ذلك الحين ، صار عندي وساوس قهرية وزارية وحكومية معكوسة ، أي إنني إذا بدأت أي حديث ، لا أسكت أبداً وأظل أنق وأنق نكاية بالدكتور عبد الرؤوف الكسم وتوابعه ولواحقه من مستشارين ومستشارات إعلاميات ، ولكي يرتاح أصدقائي من الإسهاب ، لم أعد أخرج من بيتي وأغلقت على نفسي الباب ، على عكس نسوان الشام اللواتي يملأن المقاهي والمطاعم والمقاصف ولا يجلسن في بيوتهن ، يأركلون وينقنقون وينقون ، وأزواجهن أمام محطات البنزين ينتظرون ويتنهدون ويشتمون ويسبّون ، وكثير منهم أصابهم الجنون .
لي صديق ومواطن أصيل ونقاق ، كان هادئاً ويعيش برواق ، أقلامه أمامه والأوراق ، وقد أخذ على عاتقه مهمة تصحيح الأخلاق ، ومناهضة الفقر والإملاق ، والدعوة للحوار لا الشقاق ، وفتح القلوب للمحبة لا الإغلاق ، والحرص على علو الأعناق ، والدفاع عن الأرقاء والعتقاء ، والخروج من مصيدة النفاق ، واحتضان المغرمين والعشاق ، والوقوف بصراحة على الشرفات وهجر الأَنفاق ، وبسبب الغلاء صار يدعو إلى مقاطعة الأسواق ، وصار صديقي أكبر نقاق وباستحقاق ، وحكومتنا تسمعه وتنظر إليه بإشفاق ، ونصحته بالكف عن النق ريثما أنقل شكواه إلى الرفاق .
ولي صديق مسؤول متقاعد وعلى المعاش ، تحيط به الطنافس والرياش ، وبين يديه مسدسات ورشاش ، يدخل إلى المطاعم ويأكل ببلاش ، ويفتح له أبواب سيارته مقامر وحشاش ، وبينه وبيني جرى نقاش ، ونقلت له نق صديقي النقاق فقال ياواش ياواش ، وتحركت يده نحو الرشاش ، وفهمت أنه لا يطيق النقاش ، وأن من يعترض سيُضرب بالنعال والكلاش ، حتى لو كان من أحفاد المجاهد الديري "رمضان شلاش" .
بين صديقي النقاق وصديقي المسؤول فتنة نائمة ، وعصبية قائمة ، وحكمة غائمة ، وغاية هائمة ، وسيدة كافرة صائمة ، وسيدة محجبة ناقمة ، وسيدة يمينية مقاومة ، وسيدة يسارية مساومة ، وتتبادلان الأدوار بتفاهمات ناعمة ، مثل أمريكا الحازمة وروسيا الجاثمة ، أو إيران الحالمة وتركيا الغاشمة ، وأن السياسة العربية واهمة ، وأن المسألة السورية متفاقمة ، والمصاعب متراكمة .
وبين الإثنين ، النقاق والمسؤول : أنا حائر بقراري ، كرامتنا للبيع وننتظر الشاري ، وكما تفوهت إحداهن صاحبة السلطة والمصاري ، المستشارة بجنس الجواري ، الكارهة للنقاقين على الفيسبوك والنمّامين السوريين في الحواري ، ووصفتهم ووصفتنا بالعملاء ، وأنه إذا لم يعجبهم ولم يعجبنا الغلاء ، ينقلعوا وننقلع إلى الفضاء ، ليعيشوا ونعيش هناك كأرقاء ، وتبقى هي وزوجها يتبردحان على حسابنا كأمراء ، ولن أبوح بالأسماء ، لا خوفاً منها بحق السماء ، ولكن لأن الذي قالته المستشارة رياء وغثاء ، وصاحب العقل والفكر لا يقف أمام ثرثرةِ هكذا نساء .
دمشق 15 تموز 2021