الدكتور عصام تكروري يكتب : عن الثورة التي نُحب
من بين كلِّ ما قرأت عن تاريخ و فلسفة الثورات في العالم لا أحفظ ألا جملتين طالما كانتا دليلي لاستجلاء ما إذا كنت أمام ثورة أم حركة رعاع، جملتان أطلقهما غاندي و يقول في الأولى " هناك الكثير من القضايا التي أنا مستعدٌ للموت من أجلها، لكن لا توجد قضية واحدة تجعلني أقتُلُ لأجلها"، و يقولُ في الثانية " ما الذي سوفَ يتغير في حياة الموتى و اليتامى و الأرامل و المشردين إذا كانَ الدمارُ الهائلُ قد ارتُكب باسم الاستبداد أو باسم الحرية و الديمقراطية".
من هاتين الجملتين تعلمتُ أن الثورات يجب أن تكون نقيض الأنظمة،
فإذا كان النظامُ همجيا ً وطائشا ً فعلى الثورة أنْ تكون رحيمةً و حكيمة،
وإذا كان النظامُ يضطهد و يقصي معارضيه، فعلى الثورة أنْ تحتضن معارضيها و تحاورهم،
وإذا ألغى النظام النُخب المُفكرة، فالثورة يجب أنْ تكون قيامةً لكل الأرواح و الأفكار التي وأدتها الأنظمةً،
وإذا كانت الأنظمة تتقن لغةَ الرصاص، فرأسمال الثورة هو سلميتها التي ليسَ لها تاريخ صلاحية تتحول بعده إلى حركةٍ ترتكب الهمجية ضد من يقف ضدها أو من لا يقف معها.
من هاتين الجملتين تعلّمت أنّ الدولة هي تجسيد للقامة الأخلاقية للثورة، و أن ّما تزرعه الثورة تحصده الدولة، لذا تولدُ "دولةُ القانون" من رحِم ثورةٍ تقودها نخبةٌ واعية وليست بالضرورة مثقفة، على حين تولد "الدولةُ المارقة " من ثورة يقودها الرعاع أُميّين كانوا أم مثقفين، أما "الدولة المُستبدة" فطالما كانت ثمرة الحركات التي تعتنق إيديولوجيات الإلغاء.
من هاتين الجملتين تعلّمتً أنَّ هزيمة الثورات ممكنة عسكرياً كونها تخضع لتجاذبات القوى الدولية و الإقليمية و الداخلية، لكنْ من المُحرم على الثورة الحقيقية أنْ تُهزم أخلاقياً ، هذه الهزيمة تصبح لا مفرَّ منها عندما يتحول الثائر إلى قاطع طريق أو أجير لدى من يدفع أكثر، و لحظة يشعر المستضعفون بالحنين إلى أيام ما قبل الثورة ـ مهما بلغ القمع فيها من عُتي ـ تكون الثورة قد سقطت، وربَّ ثورة سقطت قبل أن تبدأ.
انتظروا ... لم انتهِ بعد ، في الحقيقة ثمة جملة ثالثة لغاندي تحمل رداً على من يرى فيما تقدم "طوباوية" أو " طفولية ثورية" ، هذه الجملة طالما شفتني من خيباتٍ عشتها، و ما أزال أكابدُ بعضاً منها، جملةٌ يقولُ فيها غاندي : "عندما أيأس, أتذكر أنه على امتداد التاريخ لطالما أنتصرَ طريقُ الصدقِ والحبِ, فعلى مرّ العصور كان هنالك طغاة ومجرمون, و بدوا لبعض الوقت و كأنهم لا يُغلبون, ولكن في النهاية كانوا دائما يهوون" .
لابد من يوم ٍ ينضجُ فيه سفرجل الأوطان.
من كتابي " أوطان بطعم السفرجل".