رأي:معشر الكتّاب المبدعين..ورثةُ سماء..أم أرض..؟!
من الأمور الغريبة التي ذُكرت عن صاحب «الحرب والسلام» و«آنا كارنينا»، في كتابٍ ألّفه الأمريكي دايل كارنيجي، أن كثيراً من تصرفات الروائي الروسي الكبير اتسمت بالحمق على مستوى حياته الخاصة أي ما يتعلّق بعلاقته بزوجته التي كانت تغار عليه بشدة جعلتها تتصرف بغرابة كأن تتنكر بزي الفلاحين لتراقبه..
وغيرها من أفعال تؤكّد غيرتها القاتلة على زوجها ذائع الصيت أدبياً.. المحاط على الدوام بأعين المعجبين الراغبين بالاستماع إليه وتسجيل كلامه.
كيف تجلّت ردّات أفعال تولستوي إزاء تصرفات زوجته.. وهل اكتفى بتحطيم أثاث بيته..؟
مما يذكر في هذا الخصوص أن تولستوي قام بتأليف مذكرات خاصة يلوم فيها زوجته.. يُظهر فيها ما كان من أفعالها بإعلانها على الملأ لتحكم الناس بينهما. بدورها، قامت زوجته بالردّ على مذكرات تولستوي بمذكرات محاولةً تبرئة نفسها من تُهم زوجها.
هل تغيّر الحادثة السابقة من قيمة الروائي الكبير في نظر قرّائه..؟
أتكون الحياة الأدبية العامة لمطلق كاتب منسجمة، بالضرورة، مع حياته الخاصة..؟
هل تتوافق تصرفاته العامة مع تصرفاته الشخصية التي يمارسها بحدود بيته ومع ذويه..؟
من التوصيفات التي تأتي في قائمة التعريف بـ(تولستوي) كونه فيلسوفاً أخلاقياً ومصلحاً اجتماعياً.. ما يجعل القارئ يتساءل: كيف لمن امتلك من قوة الفكر والخبرة ما يمكّنه من حلّ مشكلات البشر، أن يعجز عن حلّ خلافاته مع زوجته.. كيف لم يستطع مساعدة نفسه لفض نزاعاته معها..؟
ربما كانت خلافات من هذا النوع شديدة الخصوصية ولا يفترض أن تؤخذ بعين الاعتبار مقياساً للحكم على طباع أو خلق أيٍّ كان.. وفي الحين عينه، فإن الشخصين المعنيين بالأمر لم يتركاه بحدود دائرة الخاص والشخصي..
بعيداً عن العلاقة الزوجية فإن ما حدث بين كاتبي الأوبريتات البريطانيين «جلبرت وسوليفان» يعطي مثالاً عن أن رقي الإبداع لايعبّر بالضرورة عن رقي صانعيه. بسبب ثمن سجادة اشتراها أحدهما لخشبة المسرح.. تشاجرا وتخاصما وتقاضيا أمام المحاكم.
الكاتب ريديار كبلنغ القائل: «إذا اعترضتك مشكلة مع أناس فقدوا ثباتهم وتحمسوا للقتال، فاحتفظ أنت في هذه اللحظة بثباتك».. لكنه هو ذاته لم يلتزم بقوله..
هل كان يوجّهه إلى غيره..؟
فهو ليس معنياً، على، ما يبدو، بما يقول من تنظيرات.. وما يؤكد ذلك الخلاف الذي نشأ بينه وبين أخي زوجته على قطعة أرضٍ اشتراها الكاتب منه وكان بأحد الأيام مارّاً بدراجته فاعترضه شقيق زوجته بعربةٍ أسقطت رديارد على الأرض.. فصمم على أن يرسل شقيق زوجته إلى السجن.
كل تلك المواقف والأحداث التي جرت لشخصيات مبدعة.. ليست سوى تدليل عن أنهم كبقية الناس.. يتصرّفون بموجب فطرتهم الإنسانية.. لا بموجب الحِكم النيرة والمقولات الكبيرة التي ينطقون بها ذات صفاء وهدوء.
بين أقوالهم وأفعالهم.. أليس ثمة فارقٌ شاسعٌ ربما أوجب توصيفهم بالمتناقضين.. أقله بالمنظرين..؟
أين تطبيقهم العملي لما يطلقون من أقوال..؟
هل المبدعون، على اختلاف اختصاصاتهم، ورثة سماء..؟
أليسوا كبقية الخلق.. دون نكران أن السماء اختصّتهم بمَلَكة من ملكاتها.. ميزة.. لا تتوفر عند غيرهم..
لكن من قال أن غيرهم لا يمتلك ما لا يمتلكون..؟
حرفتهم تقتضي التعامل مع الكلمات التي تولّد الأفكار.. وحرفة غيرهم تقتضي التعامل مع أشياء أخرى مادية ملموسة لمس اليد..
من قال إن الحرفي صانع الخزف.. والأرابيسك.. الفخار وغيرها من صناعات، أقل إبداعاً من شأن الكاتب..؟
صحيح أن الأول يُصنّف من عامة الناس.. والآخر من طبقة النخبة.. القارئة والمطّلعة والعارفة.. لكنها مجرد تصنيفات.. لا تصنع الحقيقي من إنسان.
لعل البعض يرى أن هذه المقارنة غير منطقية.. ربما كانت كذلك إلا أنني أرى أنها جميعها مهن.. ومن يتقن مهنته بكل حرفية هو المبدع الحق.
الإنسانية.. الإحساس بالآخر.. واقتران القول بالفعل.. أولى مواصفات المبدع الأصيل.. ولا أظن أن غالبية الكتّاب يمتلكونها.
"الثورة"