تجربتي مع الله ..
إعداد : لمى خير الله
يقول المشرف العام على المكتب الإعلامي في مديرية أوقاف دمشق وخطيب مسجد علي بن أبي طالب الشيخ خالد القصير يصف تجربته مع الله:
بسم الإله العلي القدير، اللطيف الخبير، من يبحر المرء في عظيم أسمائه وجليل صفاته ويتبصَّر ويستنير.
والصلاة والسلام على الهادي النذير، المصطفى البشير، معلِّم الناس الخير وما لهم به عميم الجزاء وجزيل الخير.
وبعد...
في زحام الأقدار يتوقف المرء مع مسيرة حياته وقفات تأملية، ليعتبر بما مضى من مجريات سابقة، ويستعد لما سيؤديه في حاضر أيامه، ويتجهَّز لما يتوقعه ويتأهَّب لما يرسمه ويحضِّره للأزمنة الآتية، وهو على يقين وتسليم من حكمة الباري في ترتيب التقادير الإلهية، ومن اختباره لعباده بالخير والشر فتنة، ليعلم الذين صدقوا ويميزهم ويؤهِّلهم لاستحقاق رضوانه والجنة.
فالمؤمن الفَطِن متيقِّظ في كل لحظات عمره، يشكر على العطية الربانية ويوجهها فيما يحمده الله سبحانه على فعله، ويصبر عند البلية ويدرك حتماً أنها ليست النهاية، بل هي محطة فاصلة يعقبها تغييرات غير متوقعة، لكن المولى بحكمته يعلم أنها الخير للإنسان ولو قصرت عنها معرفته ونظرته وحتى خبرته وتجربته.
ما ينجي الإنسان ويسكن روعته ويؤمنه؛ تسليمه لتدابير الرحمن، وأن اختيار المولى هو الخير بالعاقبة، ولن يحمِّل إنسان فوق استطاعته ويرهقه بما لا يطيقه، وأن هذا التمحيص بشارة لعاقبة طيبة محمودة عاجلة أم آجلة، وليست هذه القاعدة مستطردة لكل مصيبة، فرب ممتحن خاسر متذمر متبرم متضجر، فاقد لقيمة وخلق وشيمة الصبر، فأنى يكون له الفضل وحصاد الثمر!
الجزاء من جنس العمل، فكل على ما بذل وقدَّم سينال، والعبرة بما سيكون عليه المآل، وليحذر من القوالب الجاهزة فليست المقاييس لكل الناس مطابقة، وليكن له العظة في التجارب والأمثلة السابقة.
الله سبحانه لم يخلقنا للخلود بدار الدنيا، فهي كدر وتعب وسقم ومشقة، سرورها مشوب ومنذر بالفناء والنهاية، إنما هي مطية للآخرة، ومزرعة نبذر فيها غراساً ونتعهدها بالسقاية، وحصادها في يوم أخبرنا الصادق المصدوق عن تفاصيله وأحداثه، ثم بشرنا بما لنا من عطايا بعده إن كان مستقرنا الجنة، ودعانا لنشمِّر ونبادر ونغتنم ولا نسوِّف ولا نتماهل وندرك الهدف والغاية، وكل ميسَّر لما خلق له، وكل يعمل على شاكلته.
لدينا من الأمثلة التي نراها بأم أعيننا الكثير، فلا يستوي الأعمى والبصير، ولا الظلمات ولا النور، ليسوا سواء لا بالدنيا ولا بالمآل في الآخرة، فلا يغترنَّ أحد بإمهال الله له، ولا يفرح ببسط زهرة الدنيا له، وليدرك ميزاتها الحقيقية من الفناء والزوال، والتقلب وعدم الثبات والدوام على حال، وأن السعادة فيها محال، وأن متاعها زخارف لا يلتفت إليها ذو لب عاقل.
كم من بلية أعقبها عطية، وكم من محنة جاءت بعدها المنحة، وكم من نعمة انقلبت حسرة وندامة، وكم من خسارة تلاها بالصبر خير بشارة، الأيام تتداول بين الناس والعبرة بالعاقبة وحسن الخاتمة.
رب ضحكة ندمت عليها، ورب دمعة سرَّتك بعدها، ألم يكن في خرق السفينة نجاتها، وفي إلقاء موسى في اليم عودته لحضن أمه لتقر عينها، وفي بطن الحوت درس لأمة يونس كشف عنها العذاب بإيمانهم واستقامتهم بعدها، وفي نار إبراهيم، وفي مرض أيوب، وفي حياة يعقوب، وفي دعوة نوح، وفي ناقة صالح، ولكم في رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه أسوة حسنة.
قبل الختام بالسلام أقول:
هذه ليست سبك كلام وحبك مفردات تسمعها ثم تنساها الأفهام، هذه تجربتي الواقعية من خلال مجرياتي الحياتية، تعلَّمت واستفدت وأردت أن يكون فيها نفعاً لمن سيقرأ أو يعتبرها خلاصة لحال مرَّ في بعض الأزمان وكان فيه الرضا والتسليم للأقدار الإلهية، وهذا ركن من أركان الإيمان واقرؤوا إن شئتم أحاديث العدنان، ووصيته لأمته أن تؤمن بالقدر خيره وشره من الله سبحانه.