القراءة في زمن الحرب.. ترف لا غنى عنه
صاحبة الجلالة _ زينة شهلا :
يجلس "نمير الصالح" وهو صاحب مكتبة "دار النمير" في شارع الحلبوني وسط دمشق داخل مكتبته، يتصفح كتاباً بشغف، وينتظر دخول أحد الزبائن، وهم ليسوا بالكثر.
ويبتسم الرجل الأربعيني لدى سؤاله عن حركة بيع الكتب في الأشهر الأخيرة، ليكون جوابه "لا بأس.. لا يمكننا أن نتوقع أفضل من ذلك".
فانخفاض القدرة الشرائية للسوريين بما لا يقل عن عشرة أضعاف منذ العام 2011، جعل الكتب والقراءة في آخر سلم أولوياتهم، والذي يتربع الغذاء والدواء والسكن على قمته.
ويشير الصالح إلى توجه معظم المكتبات لبيع الروايات المصورة وليس الأصلية، "فعوضاً عن بيع الرواية بسعر ثمانية آلاف ليرة، يمكنني بيعها بما لا يتجاوز ألف ليرة، وهو مبلغ يبقى ضمن حدود إمكانيات شريحة كبيرة من السوريين، ويضمن استمرار بيع الرواية رغم صعوبة الوضع المعيشي".
ولم تنجُ الكتب الدينية والتراثية من تبعات تدهور الأحوال الاقتصادية، فانخفضت مبيعاتها بشكل ملحوظ نظراً لكبر حجمها وغلاء سعرها، وذلك وفق المتحدث.
ولا يختلف معظم أصحاب المكتبات في دمشق على تراجع المبيعات لأكثر من النصف خلال الأعوام الست المنصرمة، وذلك نتيجة عدة عوامل على رأسها ارتفاع سعر الكتاب المستورد وكذلك انتشار قراءة الكتب الالكترونية، والتي تبقى أكثر توافراً وأقل تكلفة.
وتقف هذه العوامل، وفق عمر النوري صاحب مكتبة النوري، عائقاً في وجه تشجيع الناس على القراءة، "فإذا كنا عاجزين عن استيراد كميات كبيرة من الكتب، وغير قادرين على تقديم عروض مقنعة على الأسعار، فكيف لنا اجتذاب المزيد من الزبائن؟"
ويشير المتحدث إلى لجوئه لاستيراد الكتب الضرورية فقط، "والتي تقع الروايات والمراجع الدراسية والكتب السياسية التي تتحدث عن واقع سوريا الراهن في مقدمتها".
حلول بديلة
وعلى ضفة أخرى، أبى البعض أن يقفوا مكتوفي الأيدي، وآثروا إطلاق مبادرات لتشجيع القراءة وتداول الكتب، ومنهم المحامي يوسف صباغ المشرف على مبادرة "كتاب".
ويقول المتحدث بأن ترعرعه في منزل مليء بالكتب خلق داخله إيماناً بأهمية القراءة في خلق إنسان متوازن بعيد عن العنف وقادر على التعامل مع الأزمات مستخدماً معارفه ومخزونه الثقافي، وهو ما دفعه للتفكير بإنشاء مكتبة عامة داخل إحدى مقاهي حي الغساني منتصف العام 2015، لتشجيع رواد المحل وأغلبهم من الشباب على القراءة.
وبذلك انطلقت مبادرة "كتاب" في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2011، برعاية الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان، وبدعم من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وبإشراف تنفيذي من الجمعية السورية للتنمية الاجتماعية.
وأشرفت المبادرة حتى يومنا هذا على إنشاء 12 مكتبة في عدد من المقاهي والمراكز المجتمعية في أحياء مختلفة داخل دمشق، واستقبلت أكثر من خمسة آلاف كتاب جديد ومستعمل تبرع بها سوريون داخل وخارج البلاد، ودور نشر منها "دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع"، وهي كتب تتنوع بين الروايات المحلية والعربية والعالمية الحاصلة على جوائز، وتلك التي تتحدث عن تراث سوريا المادي واللامادي، كما حصلت على تبرعات مادية كالرفوف الخشبية اللازمة لوضع الكتب. ونتيجة النجاح والانتشار الذي حققته المبادرة، يستمر القائمون عليها في استقبال طلبات لتجهيز مكتبات جديدة داخل وخارج دمشق، حيث ترغب جهات في محافظات مثل حمص وحلب والسويداء بنقل هذه التجربة إليها.
وتسعى المبادرة لتنمية حب القراءة لدى الأطفال بشكل خاص، وذلك بالاستعانة بأنشطة مثل الرسم والمسرح التفاعلي وجلسات القراءة، "وهو ما نلمس أهميته وأثره الإيجابي بشكل فوري ومباشر، فعندما نصادف أطفالاً تجاوزوا الثانية عشرة من عمرهم دون أن يعرفوا روايات مثل ساندريلا، ندرك أهمية مبادرتنا في نشر الثقافة بين كافة شرائح المجتمع".
ولا يقتصر أثر المبادرة على الأطفال، إذ يؤكد صباغ مساهمتها في دخول عدد من الشباب عالم القراءة الرحب. "كثير من الشباب قرأوا روايتهم الأولى من خلال مبادرة كتاب، كما استعاد البعض هوايتهم في القراءة والتي ابتعدوا عنها في السنوات الأخيرة. لدينا إيمان بأن قراءة كتاب واحد قد يكون لها دور في منع الشباب من السير في طريق العنف والإجرام".
ولا يخفي صباغ وجود عقبات اعترضت طريق عملهم في نشر ثقافة القراءة داخل المجتمع السوري، ومنها صعوبات مادية ولوجستية، كما يرى بأن "التغطية الإعلامية التي حظيت بها مبادرة "كتاب" لم تلامس أهمية القراءة والثقافة في بناء الأوطان عن طريق بناء الإنسان".
ويأسف المتحدث لإحصائيات تعكس واقع البلاد الثقافي المتردي. "يبلغ معدل القراءة السنوي العالمي 4 كتب لكل فرد، لكننا في الوطن العربي نقرأ ربع صفحة في العام". ويأمل بأن تساهم مبادرة "كتاب" في دعم ونشر ثقافة القراءة، "حيث نسعى لدعم كتاب محليين ودور نشر محلية، وافتتاح أكبر عدد ممكن من المكتبات والمقاهي المخصصة للقراءة والدراسة، لعلنا نوصل رسالة عن تمسكنا بالقراءة والثقافة وسيلة لنبذ الجهل والعنف".