خفيَ المحبوب منه وبدا المكروه فيهِ
إعداد وسام النمر
من نماذج العلاقة مع الله سبحانه أنه عندما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسجد في صلاته يأتي الحسن والحسين وهما صغيران يحبوان قبل أن يمشيان , فيمتطيانه كالراحلة وهو ساجد , فلا يرفع رأسه حتى ينزلا طوعاً كي لا يزعجهما , هل تسمى هذه الأخلاق تصوفاً ؟
هل كان النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام ومن بعدهم التابعين والأولياء العارفين يسمون علاقتهم مع الله وسلوكهم ومنهجهم تصوفاً ؟
هل نستطيع أن نطلق على صحيفة المدينة المنورة أنها صحيفة تصوف ؟ وهي صحيفة المواطنة التي كتبها الرسول عليه الصلاة والسلام , فيها حرية المعتقد , فلا إكراه في الدين , كما أنها تُعدُّ وثيقة السلام وعدم الاعتداء ، وتثبيت الحقوق والواجبات بين المسلمين من جهة ، وبين المسلمين واليهود في المدينة من جهة ثانية , وكانت الوثيقة عبارة عن ميثاق للأمن والسلام ، والتعايش في ظل العدل والتفاهم وتحديد الحقوق والالتزامات المتبادلة ..
حتى تكون العلاقة مع الله صحيحة هل تحتاج لمرشد , كتاباً كان أم إنسان ؟
الأستاذ إياد الطباع - عضو هيئة المخطوطات الإسلامية في جامعة كامبردج \Cambridge , وعضو شعبة البحث العلمي في مَجْمَع الفتح الإسلامي وأستاذ مادة مناهج البحث العلمي لماجستير الاقتصاد الإسلامي في دار المشورة .
حقق 35 كتاباً منهم 17 كتاباً للعز بن عبد السلام في التفسير والحديث والرقائق ..
بعد هذه الرحلة العلمية التي كانت لها الأثر الكبير في علاقته مع الله , يروي قصة علاقته مع الله قائلاً : لقد لمست والحمد لله أن الله عز وجل قد وقف معي ورفع عني الإِصرَ والهمَّ في كثير من مواقف حياتي , ففي غربتي كنت ألتجئ إلى الله سبحانه لحل الكثير من الإشكالات التي كانت تعتريني , فكنت أجد حلها على طبق من ذهب وأحسن مما كنت أتوقع , والأكثر من ذلك أنني كنت أرى الحل في شيء فيأتيني القضاء من الله على غير مرادي ويكون لصالحي , كما قال الشاعر :
رُبَّ أمرٍ تتقيهِ جرَّ أمراً ترتضيه
خفيَ المحبوب منه وبدا المكروه فيهِ .
وهو مصداق قوله تعالى : (( وَعسَى أن تَكرَهُوا شَيْئًا وَهُو خيرٌ لَكُمْ وعَسى أن تُحبُّوا شَيْئًا وهُو شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعلمُ وأَنتُم لا تَعلَمونَ)) .
كتب سلطان العلماء سبباً :
يؤكد الأستاذ إياد قائلاً : لقد تعلمت من سلطان العلماء العز بن عبد السلام حين حققت كتابه ( شجرة المعارف والأحوال وصالح الأقوال والأعمال ) أبواباً كثيرة من الإحسان بل إن الكتاب كله موسوعة في الإحسان , الإحسان مع الله في عبادته والتأدب معه , والإحسان مع الخلق مثل قضاء حوائجهم والتصدق على المحتاجين , إن الإحسان مدرسة عظيمة تعلمتها , وأفاض عليَّ العز بن عبد السلام من فوائده ما جعلني أقوّم الكثير من سلوكي في الحياة , وأعطاني فائدة أن الإنسان يجب عليه أن يقدم لأفراد أهله ومجتمعه ما يستطيع من مساعدة وخير , وسيكون الله تعالى مع المرء في شؤون حياته ..
وفيما يتعلق بمصطلح " التصوف " ينهي الأستاذ إياد قصته قائلاً : منهج وعلاقة النبي وصحابته والأولياء العارفين مع الله هو منهج الإسلام دون مسميات ثانية , ومن خلال تحقيقاتي العلمية تبين أن العلماء الأقدمين كانوا يطلقون على الكتب التي تُعنى بالتصوف , باسم كتب " الزهد والرقائق " فقط .