سوق العقارات نشط..والمخالفات سيدة الموقف
صاحبة الجلالة – حسن النابلسي
لا يزال مرض المضاربة يستفحل بسوقنا العقارية منذ عقود من الزمن، وقد ثبت للقاصي والداني أن المزاجية هي من تحكم هذه السوق بالدرجة الأولى وبنسبة تصل إلى 90%، وأحياناً 100%، في ظل غياب أي تدخل حكومي، وإن حصل الأخير فإن تأثيره بالكاد يذكر..!.
وباستعراض سريع للتدخل الحكومي نلاحظ أن بعض هذا التدخل كان مجرد حبر على ورق فبمجرد صدور أي قانون أو مرسوم له علاقة بالعقار تصاب الحركة العقارية بارتجاف وتتوقف لتترقب أصداء القانون وتأثيره عليها، وما أن يجف حبره حتى تعاود الحركة نشاطها وكأن شيئا لم يكن، نتيجة عدم ترجمة القانون من الجهة المصدرة له على أرض الواقع، ولو عدنا بالذاكرة للقانون رقم 33 لعام 2008 الخاص بتثبيت الملكية العقارية –على سبيل المثال- كان من المفترض وبموجب القانون تشكيل لجان عقارية برئاسة قضاة مهمتها دراسة مناطق العشوائيات وتثبيت ملكيات أصحابها بعد تسوية أوضاعها خلال أشهر قليلة من إصداره، ولكن شيء من هذا القبيل لم يحصل بعد مرور نحو عقد من الزمن على صدوره هذا من جهة..!.
أما من جهة ثانية نلاحظ –وحسب تقارير وزارة الأشغال العامة والإسكان- أن القطاع الخاص يستحوذ على الحصة الأكبر من الكعكة العقارية في السوق بنسبة 76%، في حين أن النسبة المتبقية هي مناصفة بين المؤسسة العامة للإسكان والتعاون السكني 12% لكل منهما، وعلى اعتبار أن القطاع الخاص يسعى للربح - وهذا من حقه – بعد أن يقوم بدراسة السوق والعائد الذي يمكن أن يحققه نجد أنه مصدر ارتفاع الأسعار كونه المسيطر الأكبر على السوق، في حين أن المؤسسة تحصل على جزءا بسيطا من الأرباح لا تتعدى النفقات الإدارية، والتعاون السكني لا يضع أية أرباح على التكلفة الحقيقية للمسكن.
وتؤكد بعض تقارير الوزارة أن المؤسسة العامة للإسكان تستهدف خلال خطتها الخمسية تأمين 550 ألف وحدة سكنية، لكن نسبة التنفيذ منها لا يلامس في أفضل الأحوال الـ10% منها، ويتكفل القطاع الخاص (تجار البناء، إضافة إلى من يبنون منازلهم بأنفسهم لاسيما في القرى والبلدات) تنفيذ ما نسبته الـ78%، أما قطاع التعاون السكني فينفذ نسبة 12% من الحاجة المطلوبة.
وتشير بعض مصادر الوزارة لـ"صاحبة الجلالة" إلى أن المؤسسة قامت بقفزات نوعية خلال العشر سنوات الأخيرة قبل الأزمة حيث يقدر ما نفذته خلال هذه الفترة ما يوازي ما نفذته منذ تأسيسها عام 1961 حتى تاريخ 2000 والمقدر بـ55 ألف وحدة سكنية، مع الإشارة إلى أن نسبة ما نفذته من السكن الشبابي تقدر بـ30% علما أن عدد الوحدات المراد تنفيذها 60 ألف وحدة سكنية.
في حين أن قطاع التعاون السكني أنجز منذ عام 1970 وحتى الآن أكثر من 187 ألف وحدة سكنية، وبمقارنة هذا الرقم مع ما أنجزته الحكومة في هذا المجال ممثلة بالمؤسسة العامة للإسكان يتبين أنه يعادل أربعة أضعاف ما أنجزه القطاع العام ما يعني ضرورة أن يستعيد دوره الفاعل حتى يستطيع المساهمة في حل مشكلة السكن ولاسيما أن أسعار الوحدات السكنية لديه لا تقارن بمثيلاتها لدى القطاع الخاص...!.
يتبين لدى البحث والتقصي عن أسباب ارتفاع الأسعار الحاصل في السوق العقارية أن هذا الارتفاع غير مرتبط بالنواحي الفنية والاقتصادية، وإنما مرتبط بالمزاجية المبنية على قناعة مطلقة بأن العقار لا يخسر، ما يدفع تجار البناء - بالتالي - لرفع السقف إلى أبعد ما يمكن، خاصة وأن معظمهم غير مضطر للبيع على اعتبار أنهم يمتلكون ملاءات مالية عالية، وما يبرهن ذلك أزمة 2008 ذات المنبت العقاري وما نجم عنها من تداعيات أدت إلى انخفاض أسعار العقارات عالمياً باستثناء سورية التي استمر فيها – بالمجمل - صعود الخط البيان العقاري، ولتصبح دمشق – حسب دراسة صدرت قبل الأزمة عن مؤسسة (كوشمان ويكفيلد) المتخصصة بمتابعة أسعار العقارات حول العالم – ثامن أغلى مدينة في العالم...!.
توقع كثير من الاقتصاديين أن تُغيّر الأزمة التي تمر بها سورية من المشهد العقاري لاسيما بعد أن دخل إلى السوق ما يزيد عن 270 ألف وحدة سكنية مخالفة حسب بعض التقديرات الرسمية، إلا أن الواقع يبين أن الأسعار واصلت ارتفاعها، وفي أفضل الأحوال وقفت عند سقف معين دون أن تنخفض بشكل ملحوظ، وفي هذا الشأن يؤكد بعض أصحاب المكاتب العقارية الذين التقيناهم أن كثير من المواطنين جيروا أموالهم باتجاه السوق العقارية تخوفا من تآكل مدخراتهم.
وفيما يتعلق بمدى تأثير الوحدات السكنية المخالفة الجديدة على أسعار العقارات يؤكد أغلب تجار العقارات أن معظم المخالفات كانت لسد حاجات المواطنين المضطرين إما للسكن أو توسيع منازلهم وليس بقصد طرحها للبيع، لذلك لم تساهم بكسر أسعار الشقق السكنية النظامية، عازين ارتفاع أسعار الوحدات السكنية والتجارية إلى ارتفاع أسعار الأراضي حيث وصل سعر القصبة (24م2) في بعض مناطق ريف دمشق إلى نحو 9 مليون ليرة سورية وأحيانا أكثر من ذلك، معتبرين أن هامش ربح تاجر البناء بشكل عام بالمتر المربع الواحد ليس كبيرا بل هو منطقي وطبيعي في ظل هذا الارتفاعات.
ولم ينكر بعض أصحاب المكاتب العقارية أنه من أسباب ارتفاع الأسعار أيضا هو المضاربة في السوق سواء من قبل بعض التجار المحتكرين لمحاضر سكنية يحددون لها السعر الذي يرغبون دون أن يتنازلوا عنه، أو من قبل ما يسمى بـ"الشقيعة" الذين يسعون لتحقيق ربحا وفيرا من المتاجرة بالوحدات السكنية، لاسيما وأنهم غير مضطرين للبيع ما يدفعهم إلى طلب السعر الذي يرغبون.