من يحاسب الوزراء ؟
صاحبة الجلالة_ رولا سلاخ
أطلق المركز السوري لبحوث السياسات تقرير "التصدع الاجتماعي في سوريا"، ويشخص التقرير أثر النزاع المسلح في سوريا على العلاقات الاجتماعية من خلال استخدام مفهوم رأسمال الاجتماعي مدخلا لتحليل الجوانب المختلفة المتعلقة بالعلاقات الاجتماعية كالثقة والتعاون والقيم المشتركة. ويظهر البحث أن دليل رأسمال الاجتماعي والمقصود به(ما تم تراكمه في مجتمع ما، أفرادًا وجماعات ومؤسسات، من قيم وروابط وشبكات اجتماعية مبنية على الثقة
المتبادلة بين أفراده وجماعاته، ومؤثرة ومتأثرة بالمؤسسات المجتمعية الناظمة للحياة العامة التي تسهل التعاون والتضامن بين أفراد المجتمع، وترسخ أسس التماسك والاندماج الاجتماعي، وتعمل بشكل حثيث لخلق الإنسان الحر والواعي والمنتج والقادر على خدمة الصالح العام .
ويلحظ التقرير أن الرأسمال الاجتماعي المركب في سوريا تراجع حوالي 30% أثناء الأزمة مقارنة بما قبلها ونتج هذا الانخفاض من تراجع واضح في مكونات الدليل الثلاثة ولكن بدرجات مختلفة إذ يسهم مكون الثقة المجتمعية في 58% في تراجع دليل رأسمال الاجتماعي بينما يسهم مكوني القيم والشبكات في هذا التراجع بنسبة 22 و20% على التوالي.
ويلاحظ أن أكثر المجتمعات التي تراجع فيها دليل رأسمال الاجتماعي هي المحافظات التي تضررت بشكل واسع من الحرب والأعمال القتالية والاستقطاب وبلغ الانخفاض أقصاه في الرقة 80% تليها الحسكة 52% وادلب 47% بينما بلغ هذا التراجع أدناه في طرطوس بحدود 5% وفي دمشق بأقل من 10% إذ تتميز هذه المناطق بتعرضها لمستويات أقل من الدمار نتيجة النزاع.
كما تشير النتائج إلى تراجع مكونات الشبكات والمشاركة الاجتماعية وكانت الرقة من أكثر المحافظات تضرراً بالأزمة تليها ادلب والحسكة ودير الزور والتي تعرضت كل منها لعمليات تهجير وأعمال قتالية واسعة مما أثر سلبا على البنية المجتمعية في هذه المناطق وأدى إلى شروخ حادة في العلاقات الاجتماعية.
ومن حيث مؤشرات هذا المكون ساهم الاستبداد والتطرف وانتشار مظاهر العنف والاستغلال في تهميش مشاركة المرأة الاجتماعية على الرغم من أن دورها ازداد أثناء الأزمة في حمل عبء الأسر ومساعدة المتضررين.
كما يلاحظ أن المشاركة في اتخاذ القرار العام كانت متدنية قبل 2011 وتدهورت بشكل حاد في أثناء الأزمة وخاصة في مناطق النزاع حيث استبدلت القوى العسكرية والأمنية امكانيات المشاركة الفعالة بالحكم التسلطي وإخضاع السكان.
وبالنسبة للتعاون، أدت الأزمة إلى تراجع حاد في التعاون بين الأفراد لحل مشكلاتهم في الكثير من المناطق نتيجة عدة عوامل أهمها انتشار وسيطرة القوى المسلحة والأمنية والتي اخترقت المجتمع وفرضت نظم مبنية على الخوف والاخضاع وكراهية الآخر. وأخذ المواطنون يتجنبون القضاء الرسمي ويتجهون للشخصيات النافذة مجتمعياً والأجهزة الأمنية ورجال الدين على التوالي لحل مشاكلهم. أما المشاركة في الأعمال التطوعية فتظهر النتائج ازديادها داخل
المناطق الآمنة نسبياً في طرطوس ودمشق وتدهورها في الرقة ودرعا وريف دمشق التي تعرضت الكثير من مناطقها إلى التدمير والحصار والعمليات القتالية لكن ذلك لم يمنع من نشوء العديد من المبادرات التطوعية الانسانية والخلاقة لمساعدة المجتمعات المتضررة من العنف بالرغم من المخاطر المرتبطة بهذه المبادرات.
ويبين البحث أن مكون الثقة المجتمعية (والذي يتم قياسه من خلال مؤشرين أساسيين هما الثقة بين الأفراد ومدى الشعور بالأمان)هو الأكثر تراجعا مقارنة ببقية المكونات فمن خلال المقارنة مع فترة ما قبل الأزمة انخفض هذا الدليل بحوالي 47% وبلغ انخفاض مكون الثقة المجتمعية أعلاه في المناطق المحاصرة أو التي شهدت توتراُ وقتالاُ ودماراُ واسعاً مثل محافظة الرقة تليها الحسكة أدلب ودير الزور وحلب. ونتج هذا التدهور في مكون الثقة من انهيار الشعور بالأمان بالدرجة الأولى والذي شهد انخفاضا على مستوى سوريا بلغ بحدود الـ 59% نتيجة مجموعة من العوامل المرتبطة بالعنف إضافة إلى اتساع الحرمان والفقر وتدهور سبل المعيشة وانتشار اقتصاديات العنف و ثقافة الخوف. كما انخفض مؤشر الثقة المتبادلة بين الأفراد بحوالي 31% الأمر الذي يمكن تفسيره بغياب سلطة القانون والاقتتال المسلح والأوضاع المعيشية الصعبة إضافة إلى حالة الاستقطاب الكبيرة في المجتمع نتيجة الأزمة.
كذلك تراجع مكون القيم والتوجهات المشتركة بشكل ملحوظ أثناء الأزمة بلغ حوالي 20% ويشير البحث إلى زيادة كبيرة في التباين النسبي بين المحافظات السورية أثناء الأزمة فيما يتعلق بالقيم والتوجهات المشتركة إذ شهدت الرقة أعلى نسبة انخفاض في هذا المكون تليها محافظة الحسكة متأثرة بشكل أساسي باختلاف الرؤى ودرجة أقل بمكانة المرأة وبالمقابل شهدت محافظات طرطوس والسويداء واللاذقية انخفاضاً أقل حدة في هذا المكون.
وبالنسبة لمؤشرات هذا المكون أسهم في عدم الاتفاق على رؤية لمستقبل المنطقة العديد من العوامل مثل الفوضى وتباين الآراء السياسية وغياب المجالس المنتخبة التمثيلية والتشاركية والاستقطاب الاجتماعي والهواياتي بالإضافة إلى الاختلاف على كيفية الخروج من الأزمة.
كما أسهمت هذه المحددات إلى حد كبير في عدم الاتفاق على مستقبل سوريا موضحة درجة التشظي الاجتماعي على المستوى الوطني..فقد خربت القوى المسلحة القيم المشتركة وعززت أشكال مختلفة من الحكم المستبد من الخلافة إلى الأنظمة التسلطية في المناطق التي تسيطر عليها. أما من حيث مكانة المرأة فقد فاقم النزاع من تدهورها في المجتمع مع تعزيز النظام الأبوي وتعرضت النساء لهجمات مسلحة والاغتصاب والعمل القسري وزيادة مسؤولياتها الاقتصادية خاصة للأسر النازحة والأرامل كما توسعت ظواهر مثل زواج القصر والاتجار بالبشر.