الشاعر سائر إبراهيم: «الاستسهال آفة يتعرّض لها الشعر»
في لغته سحر ينساب ببساطة وعفوية، ينقل إليك دفء الإحساس بالوطن في قصيدته وطني وفيها يقول:
وطني وطني ما أحلاه…. في قلبي يزهر معناه
فيه ولدت وفيه كبرتُ… وتعلّمت دروس هواه
وطني أمّي وأبي وأخي… وصباح الخير حكاياه
يغمرني حباً وحناناً… يحميني بأمان مداه
هيا يا أطفال بلادي… كي نشدو أنغام علاه
هيّا نرسم غدنا الآتي… زهراً يضحك فوق رباه
نحن الماءُ الدّافق فيه… وبراءتنا نور سماه
وفي قصيدة الحاسوب يبثُ إليك روعة الحاسوب وفائدته دون أن ينسى تذكير الطفل بطريقة غير مباشرة وتربوية بضرورة عدم البقاء لساعات طويلة أمام شاشته:
عندي حاسوب شاطر
يدهشني مثل الساحر
بعد الدّرس أطير إليه
لأرى أجمل كون فيه. إلى أن يقول: لكن كيلا أرهق بصري
لا أكثر من وقت النظر
إنّه الشاعر سائر إبراهيم الذي سار في طريق الشعر فقدّم لنا الدهشة في اللغة والصورة:
بيدي أنقر زرّ الفأرة
فتضيء الشاشة كالدرّة
الشاعر سائر إبراهيم آلمه ما آل إليه الوطن فكتب في قصيدته ذات وطن: كانت حقول العمر أشهى
يوم كان الحلم أعذب
والوقت كان حمامة
تغفو على شباك بيت
شرّع الأبواب للفرح الهَطول إلى أن يقول:
من كان يدري
أن تحت وسادة الأحلام وحشٌ كامنٌ
وعلى موائدنا الشهية
في زوايا الدار
في حقل المواسم
ألف ثعبانٍ وثعلب
الشاعر سائر إبراهيم الحائز جوائز عدة أهمها جائزة الشارقة للإبداع عن ديوانه أناشيد الأزهار، والجائزة الأولى للإبداع الفكري في مسابقة سعاد الصباح عن مجموعته حنين، وجائزة دبي الثقافية للإبداع العربي عن مجموعته: قمح الكلام. مع الشاعر سائر إبراهيم كان لي هذا الحوار:
أنجزت ديوان أناشيد الأزهار للأطفال. لماذا الأطفال؟
لأنها عودة إلى المنابع الأولى وتطهير للفكر والروح بالنسبة للشاعر عندما يخلع عنه ستائر الزمن ويعيد لعينيه دهشة وبراءة الطفل الذي في داخله.
وهي أيضاً زراعة أمل وإضاءة فرح ومحبة في نفوس الأطفال الذين نكتب لهم لتكون ثمار مستقبلهم كما نأمل.. يانعة ومكتنزة بالخير والجمال.
هل مازال للشعر المنزلة التي كانت له سابقا في الأدب القديم. هل مازال الشعر وزارة إعلام أم اختلفت المعايير؟
بالطبع اختلفت المعايير. وأرى أن اختلاف موقع الشعر ووظيفته حتمي في ظل التطور الذي يشهده عصرنا.. وتعدد أساليب التعبير ووسائل التواصل. وهذا لا يقلل من منزلته وإنما يغير من دوره ويجدد فيه شكلاً ومضموناً بما يتناسب مع حركة الزمن. فالمتلقي الذي نخاطبه الآن مختلف بالتأكيد في نمط حياته وتفكيره وهمومه عن المتلقي الذي خاطبه الشعر القديم. وعلينا أن نكتب له بلغة وفكر طازجين يحسّ بهما وإلا انغلقنا على أنفسنا وابتعدنا عن واقعنا ومستقبلنا. وبرأيي للشعر والإبداع بشكل عام خصوصية في جمهوره ومحبّيه في كل زمان وهو ليس حالة شاملة عامة. وبالعكس يمكن الآن الوصول إلى المتلقي بعدة وسائل لم تكن متاحة في الماضي.
أما عن دوره الإعلامي فهذا ليس من أولويات ومهمات الشعر لأنه سيسقط في المباشرة والسطحية. فهو يتعدى ذلك إلى العمق والبعد الإنساني والقيمي للحدث أو الموضوع الذي يتناوله لأن الشاعر لا يتكلم عن الشيء بل عن أثر الشيء ويرى ما لا تستطيعه الكاميرا ويبقيه للزمن بعد انقضاء الحدث.
بين شعر التفعيلة والشطرين أين تجد نفسك، وقلمك؟
أكتب النموذجين دون انحياز لأحدهما أو اختيار مسبق أمليه على حالتي الشعرية وأجد نفسي في قيمة النتيجة التي أجنيها من مغامرة الكتابة.
ويهمني أثر ما أكتب وقدرته على إيصال أفكاري ومشاعري على اختلاف شكله. وعندي قناعة أن المضمون هو الذي يفرض الشكل لا العكس والمهم في العمل المبدع ما يحققه من فعل وقبول لدى المتلقي وما يقدمه من تجديد وتفرّد لدى الشاعر بغض النظر عن شكله فالشكل وعاء تكمن قيمته في ما يحويه من مادة والعمل المتقن والصادق سيصل مهما كانت وسيلة التعبير المستخدمة.
ما رأيك بالقارئ العربي؟
القارئ العربي ابن مجتمعه وحياته وما فيها من مشاغل وأولويات ومع ذلك لم يفقد حسه الإبداعي وإن اختلفت طرق التلقي في ظل تعدد وسائل التواصل وأساليب التعبير.
وأعتقد أن حاجته اليوم للأدب والفن أكبر لملء الفراغ الروحي الذي فرضته الأنماط الاستهلاكية.
هل أخذت حقك كشاعر؟
سؤال من المبكر الجواب عنه لأن تجربتي مازالت بحالة النمو وتحتاج إلى المزيد من الصبر والزمن لتنضج. ومع ذلك أنا راضٍ عن إنتاجي وعن أثره لدى الآخرين وممتن لما قدمته لي حقول القصيدة من ثمار حتى الآن وأتطلع لتقديم الأفضل والحصول على فرصة إيصاله لأوسع مدى ممكن.
لمن تكتب؟
أنطلق في الكتابة من الخاص إلى العام ومن الذاتي إلى الإنساني.. حيث يصبح موضوع القصيدة وحدثها وأشخاصها قادرة على الإسقاط والحياة في قلب وعقل كل قارئ على اختلاف المكان والزمان حيث يجد نفسه معنياً ومقصوداً بما يقرأ مما يكسب القصيدة صفة التجدد والاستمرارية مع كل قراءة.
ديوانك أناشيد الأزهار أكثر من رائع. هل من جديد فيما يخص شعر الأطفال وهل تجد نفسك في شعر الأطفال تحديدا وبخاصة أن من يكتب للأطفال قلة لأنه يحتاج جهداً أكثر من سواه؟
شكراً.. وبقدر ما أحب هذا الشعر بقدر ما أتهيب وأتأنى في كتابته لما يحمله من مسؤولية وما يحتاجه من جهد واستعداد روحي.. لكنني لا أتوقف عن التجريب والتفكير بأعمال جديدة تشكل إضافة لا تكراراً لما كتب وهي في طور التشكل. والأمر متروك للزمن ونضوج الحالة.
ما المطلوب من الشعر برأيك؟
العمق في التجربة. والصدق في التعبير. والتجديد في الطرح والوضوح في الرؤيا. والدقة في الصياغة والتأني في الصناعة والمسؤولية تجاه المتلقي. والابتعاد عن النرجسية.
من الشعر إلى السياسة، هل تقدم لك تجربتك في مجلس الشعب خبرة ما؟
تقدم لي الكثير.. وتعمق تجربتي وتجعلها أكثر التصاقاً بالواقع وانتماءً للوطن والإنسانية من خلال الاحتكاك اليومي بالناس ومكابدة همومهم والسعي لتحقيق أحلامهم. حيث تصير كل قصة مادة للكتابة وتوسيعاً للمدارك وأمانة يجب نقلها بصدق ومسؤولية.
كما تصبح الكتابة وما تمنحه من حضور معرفي ومنبري صوتاً يعبر عن وجع الناس ويجسد طموحاتهم تحت قبة البرلمان ويترك أثراً ويحصد إنجازاً على الأرض. باختصار إنها اقتران بين القول والفعل. وخاصة في هذه الحرب على كل شخص منا أن يقاومها بأدواته وقدراته ولا يكتفي بموقف المتفرج.
ما رأيك. بالبيت التالي: الشعر صعب وطويل سلّمه إذا ارتقى فيه الذي لا يفهمه؟
بالتأكيد.. فالاستسهال آفة يتعرض لها الشعر من الكثيرين في هذا الوقت ولكن تبقى الموهبة هي الأساس والتجربة هي المقياس.. والزمن كفيل بالفرز والغربلة.
ثناء خضر السالم
الوطن