قدامى البعثيين المعارضين يردون على زميل اخر معارض
الى الرأي العام نحن الموقعين لهذا البيان، من أعضاء "القيادة السياسة" لحزب البعث العربي الاشتراكي التي كانت تقود السلطة في سورية حتى انقلاب 16 تشرين الثاني عام 1970، وبعد متابعتنا للحلقات الأربع التي خصصتها فضائية العربية للسيد محمد احمد الزعبي في برنامج (الذاكرة السياسية)، وما سرده في سياق تلك الحلقات من وقائع وأحداث تتصل بتلك المرحلة، والتي كانت في بعضها، روايات مختلقة وأخبار مفبركة لا أساس لها من الصحة إطلاقا، كما جرى تحريف وتشويه بعضها الآخر التي عايشناها معاً وكنا شهودا عليها.
كذلك سبق للسيد الزعبي أن استجاب للرغبات الحاقدة والمتآمرة على قضايانا الوطنية في أقواله وافتراءاته بترديد نفس الاتهامات التي تضمنها برنامج (الصندوق الأسود) حول عدوان حزيران 1967 الذي قدمته قناة الجزيرة القطرية قبل عام.
وأمام ظاهرة التجني والتزييف الفاضح للحقائق ولوقائع التاريخ دون اي رادع أخلاقي، خاصة وأن السيد الزعبي، الذي كان معنا في تلك الفترة عضواً في القيادة السياسية للحزب لم، لم يتورع في إسناد العديد من تلك المواقف والروايات لبعض رفاقنا أعضاء القيادة الآخرين، الذين رحلوا عن عالمنا وغابوا عن حاضرنا، والذين مثَّلوا، كما يعترف بذلك حتى الخصوم، بنزاهتهم ومواقفهم القومية ووطنيتهم الصادقة وقيمهم الانسانية الحضارية أنموذجاً متميزاً على صعيد حركات التحرر العربية والعالمية. تجاه ذلك كله وبدافع من مسؤولياتنا التاريخية الوطنية وإحقاقا للحقائق الموضوعية التي عايشناها، بغض النظر عن تقييم نتائجها وحصايلها، نجد لزاماً علينا أن نوضح لشعبنا ولمختلف أوساط الرأي العام الحقائق التالية بصدد ما صدر عن السيد الزعبي من مغالطات سعى إليها وتعمد ارتكابها بنفسه، أو تنفيذاً لما طُلب منه، من قبل الأطراف التي تقف وراء المأساة الوجودية التي تهدد مصير وطننا في الوقت الراهن: أولاً - إن معظم الروايات والأحداث التي ذكرها السيد الزعبي واستشهد بها غير صحيحة وملفقة كما أن اُسلوب تفسيره لتلك الأحداث التي قد يكون لها أساس إنما يستند الى ذهنية تآمرية حاقدة وبعيدة كل البعد عن المنهج العقلاني والنظرة الموضوعية.
كيف يمكن أن نقتنع مثلاً أن كل ما عرفته سورية من تطورات على امتداد نصف القرن الماضي وعلاقة ذلك بأوضاع المنطقة كلها، إنما يرجع إلى عامل واحد هو المحرك الطائفي الذي يسود الخيال المريض للسيد الزعبي، وعلى سبيل المثال لا الحصر وكي نتبين مدى التشويه وافتقاد الأمانة في ما أورده من وقائع نذكر هنا بعض الأمثلة في رواياته :
أولا _ إبان عدوان حزيران 1967 اتصل الدكتور جورج طعمة مندوب سورية الدائم في الامم المتحدة بالدكتور ابراهيم ماخوس وزير الخارجية، عندما كان مجلس الأمن مجتمعا مساء يوم العاشر من حزيران ليبلغه إن مندوب اسرائيل يدعي إن القوات الإسرائيلية ملتزمة بقرار مجلس الأمن حول وقف إطلاق النا، وأن الدكتور ماخوس كان بدوره يقول له ويشدد على ذلك محتداً باستمرار بأن المندوب الاسرائيلي يكذب.. وهذه المحادثة لم تكن حول بلاغ سقوط مدينة القنيطرة، ولا كان مجلس الأمن في جلسته تلك يناقش إصدار القرار242، وكي نستبين درجة الكذب الفاضح، لا بد أن نُذكِر الجميع بأن القرار 242 المعروف الذي جاء ذكره على لسان السيد الزعبي لم يصدر إلا في شهر تشرين الثاني من ذلك العام. ·
بعد تقييم نتائج هزيمة حرب حزيران 1967، و الاستعدادات المطلوبة لمواجهة تبعاتها، كان النقاش الذي جرى في اجتماع لقيادة الحزب في شهر تموز 1967لمناقشة اقتراح الأمين العام المساعد اللواء صلاح جديد بضرورة تغيير قيادة الجيش ( وزير الدفاع ورئيس الأركان) وليس على استقالة وضعاها، في هذا الاجتماع، تحت تصرف قيادة الحزب، كما ان اللواء سويداني تقدم باستقالته من منصبه مرتين الاولى في بداية عام 1968ولم توافق عليها القيادة والثانية في بداية شهر شباط وليس في الْيَوْمَ التالي لاجتماع القيادة المذكور. ·
يؤكد السيد الزعبي في مسلسل مغالطاته، عزوفه المتشدد عن قبول أي منصب في الحكومة، لولا تهديد الدكتور يوسف زعين بالاعتذار عن تشكيل الوزارة إذا لم يكن معه وزيراً للإعلام، كما أنه امر مستحيل وخارج عن التقليد المتبع في اجتماعات قيادة الحزب، أن يعلق الاجتماع، كما يروي، ليختلي الدكتور زعين مع السيد الزعبي في غرفة مغلقة كي يحاول إقناعه، وحقيقة الأمر أن السيد الزعبي طلب من عضو قيادة الحزب مروان حبش أن يرشحه لتولي منصب وزير الاعلام عند اجتماع القيادة لمناقشة تشكيل الوزارة.
ادعى السيد الزعبي نقلاً عن حمود القباني عن لسان اللواء صلاح جديد أن الأخير أوفد الرائد سليمان حداد إلى معسكرات قطنا ليطلب من قادة القطاعات العسكرية القيام بتحرك ما لدعم مواقف قيادة الحزب، والمعروف بأن الرائد حداد كان من جناح اللواء محمد عمران، ووقتذاك كان ملحقاً عسكرياً في السفارة السورية بقبرص، أي لم يكن في سورية اطلاقاً.
أورد السيد الزعبي في رواياته عن دور وساطة قام به الاستاذ كامل حسين سفير سورية حينها في باريس، فالواقع أن السيد كامل حسين لم يعلم باعتقال بعض أعضاء القيادة صباح 13 تشرين2 ، (ولم يكن الدكتور نورالدين الأتاسي بينهم) من منزل الدكتور زعين من قبل مخابرات القوى الجوية (وليس من قبل الشرطة العسكرية) إلا بعد حدوثه.
علماً أن الاستاذ كامل حسين اعتُقل بعد فترة وجيزة ليمضي مع رفاقه أعضاء القيادة السياسية حوالي ثلاثا وعشرين سنة فقط.
هذا غيض من فيض من مغالطات السيد الزعبي التي جادت بها ذاكرته السياسية لقناة العربية، والمجال هنا لا يسمح بالرد على كل تلك المغالطات التي تشكل ظاهرة خطيرة تتعرض لها كل الأحزاب والحركات السياسية.
ثانياً - كيف يمكن للسيد الزعبي أن يوفق، كما يدعي، بين انتقاداته العلنية الحادة واعتراضاته المستمرة على كيفية مسار الأمور في الفترة التي كان فيها عضواً في القيادة السياسية، وبين تأييده الحماسي المطلق ومنذ الْيَوْمَ الاول للنظام الذي أعقب انقلاب تشرين الثاني عام 1970.
وتصدره في مدينة درعا للمظاهرات المؤيدة لهذا النظام ، وكيف سعى جاهداً بكل الوسائل والاساليب الممكنة كي يكون له موقع قيادي في حزب هذا النظام وسلطته، وبعد أن أخفق في تحقيق ما أراد، غادر سورية لينتقل بين عدد من الدول العربية بما فيها العراق التي قدم فيها طلب انتساب لحزب البعث هناك، وكان أمراً طبيعياً ومنتظراً أن يُرفَض طلبه نظراً لتناقض مواقفه الحزبية والسياسية وتبدلها، حتى في الْيَوْمَ الواحد.. والتي عُرف بها على الدوام من قبل زملائه وأصدقائه ولا زمت سلوكه باستمرار.
ثالثاً - نود أن نؤكد هنا للرأي العام أن هدفنا، الأساس من هذا البيان، لم يكن الرد على مغالطات السيد الزعبي في كل ما طرحه، فالمجال هنا ليس مجال الرد عليها أو التعاطي معها هذا من جهة، كما لم يكن هدفنا هنا، من جهة اخرى، الدفاع عن القيادة السياسية لحزب البعث العربي الاشتراكي في تلك المرحلة لأننا واثقون أن تاريخنا الوطني عندما يكتب بصورة موضوعية ومحايدة، تكرس حقائق التاريخ كما هي، لا بد أن ينصف هذه القيادة وغيرها من قيادات شعبنا السوري وقيادات حركة التحرر العربية في مرحلة الصعود التحرري الوطني والقومي، لم يكن هدفنا الأساس من وراء اصدار هذا البيان لا هذا ولا ذاك، ولَم يكن دافعنا للتصدي لهذه الظاهرة الاجتماعية المرضية التي لاشك ان معظم الأحزاب والقوى الوطنية السورية والعربية قد عرفت مثيلا لها في مسيرتها نتيجة جملة من العوامل الذاتية والموضوعية التي خضعت لها، بقدر ما كان الاستجابة لمسؤوليتنا الوطنية والأخلاقية، في الظروف العصيبة التي تعيشها بلادنا الْيَوْمَ، والتي تحتم علينا التصدي لكل المحاولات المسمومة التي تستهدف تشويه تاريخها وتدمير وتغييب ذاكرتها وتزييف وعي أجيالنا الحاضرة والمقبلة وشل قدرتها على مواجهة التحديات والمخاطر التي تحدق بِنَا وإخفاقها في بناء المستقبل الأفضل الذي يتطلع اليه شعبنا والذي قدم من أجله أجل التضحيات.
مروان حبش حبيب حداد حديثه مراد احمد الشيخ