الصيام وجد منذ أدم إلى اليوم في صلب العقائد بما في ذلك المرحلة الوثنية
فرض الصيام على الإنسان، منذ عهد آدم وحواء، ولا يزال إلى يومنا هذا، وهو ركن من أركان كل دين، لكونه أقوى العبادات التي تتعبد بها الأمم والشعوب التي عرفها كوكبنا وهو معروف لدى قدماء المصريين وعنهم انتقل إلى اليونان والرومان، وتذهب الوصية التي وصى الله آدم وحواء إلى الصوم «الامتناع» عن تناول ثمار إحدى الأشجار، ولا يزال وثنيو الهند يصومون إلى اليوم.
وقد ورد مديح الصيام في التوراة والإنجيل، وجاء بدائرة المعارف البريطانية، أن أكثر الديانات دانيها وعاليها قد فرضت الصوم وأحبته، فهو يلازم النفوس حتى في غير أوقات الشعائر الدينية، ذلك أن الإنسان يصوم استجابة لطبيعته البشرية.
ولم يكن الصيام في صفاته أو عدد أيامه مشابهاً لصيام المسلمين، فقد جاء بصور متنوعة منها: الصيام عن الطعام والصيام عن الطعام كله، والصيام في بعض ساعات اليوم أو اليوم بكامله، وكذلك الصيام أياماً متتالية، ومن الصيام ما كان للشكر، وصيام الرياضة وكذلك صيام التكفير عن الذنوب وتهذيب النفوس.
وكان الوثنيون يصومون لتسكين غضب الآلهة إذا قاموا بما يغضبها، أو لإرضائها واستمالتها إلى مساعدتهم ببعض الشؤون، لأنهم كانوا يعتقدون أن إرضاء الآلهة يكون بتعذيب النفس، وإماتة حظوظ الجسد، وكان غاندي يرى أن الصوم يدفق الدم فيصفو العقل وتسقط بالصوم نوازع النفس التي تنحرف بالإنسان عن الصواب.
وكان للصابئة ثلاثة أوقات للصيام في السنة: أولها ثلاثون يوماً والثاني تسعة أيام والثالث سبعة أيام وكانوا يصومون من ربع الليل الأخير إلى غروب الشمس.
وكان داوود عليه السلام يصوم يوماً ويفطر يوماً، والصيام في الإسلام شرعاً هو الإمساك عن المفطرات من قبيل الصبح إلى غروب الشمس مع النية، أما أصل وجوب الصوم في الإسلام فهو: الكتاب والسنّة والإجماع.
أما الكتاب فلقوله تعالى في سورة البقرة من القرآن الكريم: «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون».
وأما السنة فلحديث النبي الكريم (ص) عن ابن عمر قول النبي بني الإسلام على خمس هي أن: يُوَحد الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، والحج لمن استطاع إليه سبيلاً.
وأما الإجماع فهو منعقد على فريضة صيام رمضان وكان المسلمون يصومون فريضة صيام شهر رمضان في اليوم العاشر من شهر المحرم وهو المعروف بيوم عاشوراء، وكانت قريش تصومه في الجاهلية، وكان رسول الله (ص) يصومه وأمر بصيامه، فلما فرض صيام شهر رمضان فمن شاء صام يوم عاشوراء ومن شاء ترك صيامه، ذلك أن ليوم عاشوراء حرمة قديمة وكان أهل الكتاب يصومونه، وكذلك أهل الجاهلية.
كما كان المسلمون في أول الإسلام يصومون ثلاثة أيام من كل شهر، فقد ورد عن النبي (ص) صيام ثلاثة أيام من كل شهر، بمنزلة صيام الدهر، وهذه الأيام هي المعروفة بالأيام البيض من كل شهر، وهي أيام الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، وقد فسخ ذلك بصيام شهر رمضان. وكان فرض صيام هذا الشهر يوم الإثنين لليلتين خلتا من شهر شعبان من السنة الثانية للهجرة، وكان اختيار شهر رمضان بالذات للصيام لنزول القرآن فيه، وذلك تكريماً لهذا الشهر.
وكان المسلم بأول مشروعية الصيام مخيراً بين الصوم والإفطار مع الكفارة، لقوله تعالى في سورة البقرة من القرآن الكريم: «وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين»، فكان بذلك من أطعم كل يوم مسكيناً ترك الصيام ممن يطيق الصيام.
فلما نزل قوله تعالى «وإن تصوموا خير لكم» أوجب صيامه على كل من شهده مقيماً بقوله تعالى: فمن شهد الشهر منكم فليصمه.
وقد ربط بدء الصوم ونهايته بثبوت الهلال بقول رسول الله (ص): «صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته، فإذا غُمّ عليكم فأتموا عدة شعبان ثلاثين يوماً».
ورخص تعالى الإفطار للمريض والمسافر، ثم القضاء تيسيراً ويذهب بعضهم إلى أن المقصود من صيام النهار هو ابتلاء النفس، وتمرينها على الجهاد والمصابرة والجلد أمام غرائز الشر وميول الهوى وانحراف الطبع، وصبر النفس على ترك المألوف، وتسير في الحياة قوية مهذبة، مما لا يتأتى بالصوم ليلاً.
منير كيال
الوطن