بداية القابضة

رئيس التحرير : عبد الفتاح العوض

رئيس مجلس الإدارة : د. صباح هاشم

من نحن اتصل بنا
أجنحة الشام

" الأب" فيلم رؤيوي اللغة والمضمون

السبت 14-01-2017 - نشر 8 سنة - 6119 قراءة

"الأب" الفيلم السينمائي الرابع للمخرج المبدع باسل الخطيب، والمؤسسة العامة للسينما، بعد ثلاثية: مريم، الأم، سوريون، في ظل الحرب الإرهابية على سورية خلال ست سنوات ولعله الأبرز تحت هذا المفهوم.

وبرع باسل الخطيب في رسم أبعاد مصيرية لمواضيعه الدرامية، حيث تقاطعت لديه القضية الفنية مع القضية الإنسانية للوصول إلى أكثر من أسلوب متين تتوزع جمالياته في بيئة واسعة ملهمة أعمق من الواقع المعيش، وأصدق من الرواية المعروفة.

تابع الخطيب قضيته هذه، عندما اتجه في سنوات الحرب الإرهابية على سورية إلى ميدان الفن السابع، لكنه كان يحمل معه ذاك التوق إلى اللغة السينمائية التي كان يستند إليها ويمارسها أحياناً في أعمال تلفزيونية متألقة، وتجعل عمله مضنياً وهو يحاول الوصول بأعماله التلفزيونية إلى مستوى الكمال السينمائي الذي يحققه الآن من دون وساطة مسلسلاته.

لغة وثائقية شاملة

يظهر فيلم الأب أصالة اللغة السينمائية لدى باسل الخطيب، وقدرته على التجدد في كل عمل سينمائي على حدة، وها هو يعمل على إبداع أسلوب وثائقي شامل، ذلك أن «الأب» ليس وثائقياً بالمفهوم التقليدي وبمعنى تكريس رواية معروفة واحدة، بل بتقاطع روايات واقعية كثيرة في سيناريو وثائقي جديد واحد.

يحقق فيلم الأب ولع باسل الخطيب في إنجاز سيناريو مرسوم بدقة وإحكام، شاهدناه من قبل في تركيب الفيلم الجميل مريم، ثم الأم، ولاحقاً وجعه اللاهث في «سوريون»، وها هو في «الأب» يوحد أبعاد الحدث ووجوهه وآلامه في تسجيل وثيقة وطنية واحدة.

اعتمد الأب على سيناريو «كتبه باسل ووضاح الخطيب» يعيد تأليف الأحداث والجرائم التي مارسها الإرهاب المسلح في سورية، والمعاناة التي توجعها السوريون تحت أنظار العالم. حيث أصبح كل حدث أو شخصية في السيناريو تجسيداً لعشرات بل مئات الجرائم والضحايا والشهداء في أحداث سورية معروفة محددة التواريخ والأسماء.

واستطاع سيناريو «الأب» وهو يتطلع إلى شمولية تعبر عن الكل من دون التضحية بالمفرد أن يتجاوز الحدود التي تقف أمام حدث وثائقي واحد، فجاء مضمون الحرب اليومية التي يعيشها الإنسان السوري قضية مصيرية، وارتقى بالأحداث إلى صدقية التاريخ.

وتصدى السيناريو بشموليته، إلى تقديم أفكار رؤيوية تبدأ من مصير الإنسان حتى مصير الوطن والمستقبل، ذلك أن سلاسة الأحداث وملامح الشخصيات لم تخرج عن أبعادها التوثيقية إلى أخرى شخصية وفردية وميلودرامية، كان يمكن أن تخرج بترميزها وتعبيرها عن إطار المعاناة السورية الشاملة.

قضية الضياع

يجمع فيلم «الأب» إخراجاً الأسلوب الوثائقي، بتصرف، إلى الواقعية البصرية التعبيرية، ويبدأ بعد الأحداث الموثقة التي عاشها الإنسان السوري أينما هاجمته الفصائل الإرهابية السوداء، إنها رواية ولائنا، سمعنا عنها وشاهدنا مجازرها كل يوم لدرجة أنها أصبحت مألوفة لعين المشاهد وأذنه، مدونة في ذاكرته خلال سنوات الحرب، لكن رسم ملامحها الدرامية العامة وأبعادها هو ما يصوره فيلم «الأب» وخاصة حين يقدم إنسانه بطلاً تراجيدياً يريد تحقيق إرادته أينما كان هذا ممكناً… وهي رواية أمامنا ما دامت قابلة للتكرار.

يعرض فيلم «الأب» أحداث هجوم جماعة إرهابية مسلحة على بلدة سورية وادعة ونائية في حضن الطبيعة الفسيحة لسورية، وحيث تشارك الطبيعة دائماً لدى الخطيب الإنسان مصيره، نجد أن هذا الجمال الأزلي يدنس تحت أقدام إرهابية بشعة.

وحيث يفر أهل البلدة في اتجاهات ومصائر متعددة، ويلجأ فريق منهم إلى مشفى البلدة الذي يحرسه الجيش العربي السوري، يكون إبراهيم «يجسده أيمن زيدان» الأب لعائلته الكبيرة، والده ووالدته، وزوجته وبناته الثلاث في عداد اللاجئين إلى المشفى، حيث يشعر بالمسؤولية تجاه عائلته الوطنية الأكبر ويأخذ مبادرة التعاون مع الجيش لحماية الفريق الذي يرافقه، وإذ يفجر الإرهابيون المشفى ويخرج المدنيون منه للنجاة في مكان آخر يقعون في أسر الإرهابيين الذين يسوقونهم إلى مقرهم للفتك بهم بطرق وأشكال متعددة.

فيلم «الأب» وهو مأساة الضياع الإنساني السوري، وتشرد العائلة الصغيرة والكبيرة يرسم في سياق تصاعد أحداثه الدموية السوريين ضحايا، وشهداء، وأبطالاً، كلاً في مكانه من فسيفساء سينمائي يوثق الصورة الشاملة للمصير، لكنه يتابع طريق عائلة إبراهيم: حيث فقد الأب والده ووالدته بالموت على طريق الهرب، وضاعت عنه ابنتاه، وزوجته التي هربها من الأسر، وابنته الصغيرة التي استولى عليها الإرهابيون، الذين كانوا يعدمون المدنيين وأفراد الجيش بطرق وحشية: الواحد تلو الآخر، بعد محاكمات شكلية باسم الدين وتهمة الكفر، أما إبراهيم فقد قرروا الإبقاء عليه لاستخدامه في توجيه الأطفال، منهم ابنته، لتنفيذ عمليات إرهابية مسلحة، بعد تدريبهم على القتل والعنف، فقد تركه المخرج لمفاجأة الختام السينمائي.

احتاج فيلم «الأب» وهو يرصد مصير النزيف البشري السوري إلى فريق كبير من الممثلين، حركهم المخرج ضمن عملية بطولة جماعية، حيث تألقت وجوههم بنظافة تعبيرية مخلصة لموقعها في رسم الحدث العام، والوثيقة الشاملة الجديدة، وأصبحت كل شخصية في الفيلم جامعة لما قبلها من شخصيات واقعية متكررة المعنى، وأصبحت هي الحقيقة الفنية الموضوعية التي تشارك المشاهد معلوماته، وتؤكد قضيته الإنسانية.

واستطاعت مجموعة الممثلين التي قدمت عرضاً وثائقياً شاملاً تأليف واقع معادل يوجز ما عرفناه من جرائم إرهابية أساسية هي: التهجير، والملاحقة وتفجير المؤسسات المدنية والقرى والمدن والقتل باسم الدين وتهمة الكفر والمتاجرة بالأعضاء البشرية، وممارسة العنف على النساء والمتاجرة بهن واغتصابهن وقتلهن أحياء، والاستيلاء على الأطفال لاستخدامهم في عمليات الإرهاب والتفجير.

الوطن


أخبار ذات صلة

تأثير التعليم على الفيزيولوجيا

تأثير التعليم على الفيزيولوجيا

إشراف.. الأستاذ الدكتور رشاد محمد ثابت مراد

المايسترو ميساك باغبودريان:

المايسترو ميساك باغبودريان:

من المحزن عدم وجود أي برنامج يتحدث عن الموسيقا في قنواتنا التلفزيونية