بداية القابضة

رئيس التحرير : عبد الفتاح العوض

رئيس مجلس الإدارة : د. صباح هاشم

من نحن اتصل بنا
أجنحة الشام

اغتصاب العقل

الأحد 21-05-2017 - نشر 8 سنة - 5775 قراءة

في الآونة الأخيرة سمعنا كثيرًا عن ظاهرة الاغتصاب البدني، إلا أنه في واقع الأمر هناك اغتصاب يراه الأفراد بشكل شبه يومي دون أن يدركوا ذلك، ويعد أكثر الأنواع شيوعًا وانتشارًا وأكثرها حرفية وإتقانًا، هذا النوع يعرف بظاهرة الاغتصاب العقلي.

تعريف اغتصاب العقل

   بصفة عامة يعرف الاغتصاب العقلي على أنه ادعاء شخص ما أنه يعرف أكثر من الآخرين بما ينفعهم أو يضرهم، وقد يملك القدرة على الإقناع بما يريد أن يصنعه، أو لا يملك هذه القدرة وعليه فإنه يلجأ إلى تطويع ضحاياه من خلال حوار مفتوح يلجأ فيه إلى التسلط عليهم عن طريق إرباك آرائهم، وتشويش أفكارهم، سعيًا وراء إملاء رغبته وفرض إرادته عليهم.

وللاغتصاب العقلي أشكال متعددة نراها ونلمسها بشكل يومي في حياتنا، ويمكننا أن نجملها في نمطين كبار وذلك حسب عدد الأفراد الذين يتم التأثير عليهم. حيث يكون هناك:

الاغتصاب العقلي الفردي

هو سلوك قد يمارسه أحد الأفراد على من حوله وذلك بقصد أو دون قصد ، ويكون ذلك نتيجة دوافع عدة منها على سبيل المثال: الحب الزائد، التسلط، الشك المفرط، القسوة وقد يكون الأمر أبعد من ذلك، فنجد مثلًا مدير موقع ما يريد أن يفرض رأيه على كل مرؤسيه، أو مسئول كبير عن قطاع ما يسعى لإثبات الذات والتفرد بمقدرات كل الأمور ويلجأ لهذا النوع من الأمور كي يبدو في نظر الجميع أنه الأوحد والأقدر والمتميز الوحيد.

وقد نرى هذا الفعل بين الزوج وزوجته التي يريد أن يتسلط عليها ويفرض أرائه ومعتقداته وزاوية رؤيته للأمور عليها، وقد نراه بين الأب او الأم الذين يريدون صناعة نسخ مصغرة منهم يروها في أبنائهم، فيتسلطوا عليهم ويجبروهم على اعتناق معتقداتهم وفكرهم ويمارسوا عليهم أقصى أنواع الضغوط لتوجيهم إلى المسار الذي وضعوه لحياة أبنائهم. أو ربما المسار الذين تمنوا أن يسيروا فيه ولم يفلحوا.

قد نراه بين الأصدقاء، فهناك الصديق الذي يرى نفسه القائد الأفهم والأوعى وهو من له الحق في تسيير قافلة رفاقه.

وفي هذا الإطار فقد تم تشبيه عملية استلاب الإرادة واغتصاب العقل بما سُمي بعملية: طهو الضفدع

فلكي تطهو ضفدعًا عليك أن تتبع الخطوات التالية:

   انتق ضفدعًا مناسبًا، ولكنه غير مدرك أنه سوف يتم طهوه.

   ضع الضفدع في إناء به ماء في درجة حرارة الغرفة العادية، حيث يستمتع بالبقاء في الماء لفترة، ولا تضعه في إناء به ماء يغلي، وإلا سيقفز منه فورًا.

   إبدأ في تسخين الماء على نحو تدريجي حتى يصل إلى درجة الغليان.

   حين يصل الماء إلى درجة الغليان سيكون الضفدع قد تم طهوه بالفعل، دون أن يدري ماذا حدث له أو يدرك الخطر المحدق به. فقد ظل يستمتع بالماء الساخن حتى فات أوان الهرب من مصيره المحتوم. فلم يشعر ببدء التجربة، وكذلك أي إنسان لا يشعر ببداية مرحلة استلاب إرادته، واغتصاب عقله.

هكذا الأمر .. يبدأ بأريحية طبيعية جداً وأسلوب مريح يجعلك تبدأ في الاقتناع وتسلم عقلك تدريجيًا، وعندما تكتشف الخديعة وحقيقة ما وصلت إليه وأن ذلك الأمر على غير هواك وطبيعتك ولا ترغب به، عندها فقط ستكتشف أنك قد تم استلاب إرادتك واغتصاب عقلك.

وهناك ثلاثة مراحل تمر بها عملية اغتصاب العقل

   تشويش أفكار الإنسان وإرباك مشاعره ومعتقداته وتهميش ذاته ووضعها في إطار من لا يعي صالح أمره. وفي هذه المرحلة يلجأ الضحية إلى شخص آخر طلبًا للتأكد من صحة وسلامة حاجاته وأهدافه حيث أن الضحية في هذا الوقت يكون غير مدرك أو متأكد من صحة وسلامة أفكاره ومشاعره.

   افتقاد الإنسان إلى التفكير البناء وتهميش العاطفة والإنصياع لرغبات الآخرين. وفي هذه الحالة يبدأ الشخص في إظهار عكس ما يبطن بداخله، فقد يبدو هادئًا متماسكًا، ولكنه يعاني من فيضان من المشاعر الداخلية وغضب كبير نتيجة فقده لذاته وينعكس ذلك عليه باليأس والإحباط، ونتيجة لذلك فهو يلجأ باستمرار إلى شخص آخر ليعطيه الرأي نتيجة عدم ثقته بنفسه ولا بآرائه.

   نتيجة التهميش الكامل للمشاعر والعاطفة وفقدان الثقة الكامل واستمرار سيطرة الأخرين على عقول ضحاياهم فإن ذلك قد يؤدي إلى وقوع الضرر الجسدي أو العاطفي، ويصبح الضحية شديد الإضطراب وتتداخل الأمور لديه وقد يقع لسلوك عدواني ضد ذاته التي كرهها، كالانتحار مثلًا أو قد يقدم على إيذاء غيره.

عندما يتعرض الفرد لتجربة فقدان السيطرة على الذات وعدم القدرة على إداراكها وتكوين شخصيته المستقلة، فإن الأمر يقتضي مساعدة من قريب أو صديق يكون بمثابة الناصح الأمين، والذي يسعى إلى تقديم يد العون والمساعدة بحق. كي يساعده على استعادة ثقته بنفسه وإداراكه لذاته وبقدراته، وبقدر الإمكان يفضل أن يتعامل هذا الصديق بشكل بسيط تلقائي ولا يُشعِر الضحية بأنه مريض وهو يقوم بعلاجه ويلعب معه دور الناصح والمرشد.

إذا حاول الضحية استعادة استقلاليته بعد تجربة اغتصاب عقله دون اللجوء إلى صديق يشمله برعايته ونصحه ويمد له يد العون فإنه قد يحدث أحد أمور ثلاثة:

   قد يستعيد الجاني سيطرته على الضحية باستخدام وسائل نفسية نجحت من قبل.

   يحاول أن يستعيد سطوته عليه مرة أخرى عن طريق الإيذاء البدني.

   قد يقدم الضحية على الإنتحار نتيجة فشله وقد يرى فيه الحل الوحيد للخلاص من أزمته.

ويستلزم الشفاء من تجربة اغتصاب العقل قدراً من الوقت وهى الفترة التي يحتاجها الضحية لاستعادة تفكيره المستقل وإعادة استقلاليته وسيادته على نفسه مرة أخرى واستعادة قدرته على حرية الإختيار.

فالإنسان الطبيعي يعود مرة أخرى بعد هذه التجربة المريرة ولا يحتاج سوى الوقت الكافي حتى يسترد طبيعته.

اغتصاب العقل الجمعي

وهو وسيلة تقوم بها فئة معينة للسيطرة على عقول الحشود، مثل سيطرة جماعة دينية ما على عقول مريديها، أو سيطرة نظام معين على عقول شعبه. وفي هذا الصدد لن نجد مثال أوضح من سيطرة أبواق الإعلام النازية على عقل الشعب الألماني الراقي المتحضر وتحويله إلى أداة طيعة في أيدي جنرالات النازية والفوهرر.

عندما نرى أن جوبلز، وهو وزير الإعلام النازي لم يكن يملك من وسائل القهر الدعائي لاغتصاب عقول شعبه سوى الراديو الذي يبث فيه خطاباته وكلماته الرنانة الحماسية الصاخبة، وطبعًا معه كلمات الفوهرر هتلر وكبار رجالات النازية، بجانب الصحف التي تمتلئ بكم هائل من الكلمات التي تسيطر على مشاعر الأحجار وليس البشر فقط وتستطيع تحويل عقولهم إلى أية دفة يراد توجيههم إليها.

   وهنا كانت كلماته الأشهر التي صاغ بها ما قام بفعله حرفيًا: أعطني إعلامًا بلا ضمير.. أعطك شعبًا بلا وعي.

   وأيضًا: اكذب ثم اكذب ثم اكذب.. حتى يصدقك الناس.

استطاع جوبلز أن يقنع الشعب الألماني المتقدم الواعي بما يعتمل في صدر النازية المريض وكيف نجح في إقناع 80 مليون الماني وقتها بأن ألمانيا فوق الجميع وسيادة الجنس الآري، وأنه خير أجناس الأرض، وكيف أن هتلر هو القائد الملهم والزعيم الذي لا يخطئ… إلى آخر هذه المهاترات التي انتهت باندحار النازية وتدمير ألمانيا وخلَّفت وراءها 55 مليون قتيل من جراء الحرب العالمية الثانية التي أشعل نارها الكثير من الحمقى.

ما حدث بكل بساطة هو عملية اغتصاب عقل جمعي للشعب الألماني بالكامل، أو دعنا نقل: من صدق هذا الهراء وقتها.

وفي التاريخ الحديث لن نجد مثال أفضل من سيطرة الإعلام الغربي على عقول الكثيرين لتحقيق هدف معين. مثال على ذلك حرب العراق 2003، وكيف استطاعت أمريكا وحلفاؤها إقناع العالم بأن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل كمبرر وحجة لغزوه بكل بربرية وقسوة وفي نهاية الأمر يطل علينا أحدهم؛ ليقول مبتسمًا وبكل بساطة: آسفون.. لم نجد أسلحة دمار شامل. وهذا مسجل تاريخيًا.

هناك صور أخرى من الاغتصاب الجمعي عن طريق الإعلام نراها بشكل شبه يومي على شاشات التلفاز. فعندما نرى قنوات الأخبار وخاصةً غير الحيادية تصف شيء ما بشكل مستمر وممنهج على غير طبيعته فسوف تجد الناس تصدق هذا الأمر وتتصرف وفقًا لذلك. مثال: إذا كررت يوميًا الأنباء أن الطائرات تسقط في المحيط، وان الطائرات تنفجر في الجو، وأن الطائرات يتم اختطافها دون تبيان حقيقة الأمر. سوف يتولد اعتقاد لدى المشاهد أن الطائرات ما هى إلا وسيلة موت متحركة، وفي واقع الأمر الطائرات تعد أكثر وسائل المواصلات أمانًا وراحة ونسبة وقوع الحوادث بها ضئيلة جدًا مقارنةً بباقي وسائل المواصلات.

نظرة عامة:

   أي شخص معرض أن يكون جاني أو ضحية للاغتصاب العقلي بشكل مستمر طوال حياته.

   إذا كنت أب أو أم أحرص على إعطاء طفلك الذي كبر ونضج كامل الحرية في تحديد مسار حياته طالما كان هذا المسار طيبًا قويمًا لا تشوبه شائبة، وليقتصر دورك على النصح والإرشاد فقط ومد يد العون في حال الاحتياج لها.

   إذا كنت زوجًا أو زوجة فاحرصا على تآلف الطباع وتقارب الأرواح وسيادة روح الود والألفة، ولتكن الحياة بينكما عبارة عن إقناع ممزوج بود، وابتعدا عن التسلط وفردية القرارات؛ فإنها أقصر الطرق لهدم أية علاقة.

   لا تعط حكمًا في أمر حتى تتبين وتفكر كثيرًا خاصةً في الحوادث الجسام.

   لا تعط ثقتك بسهولة في أي حديث يقال لك، ولتجعل المصداقية آخر أمر تقوم به بعد الفحص والتقصي حتى لا يستمر أحدهم بخداعك والتلاعب بعقلك للأبد.

ختامًا.. كن أنت، كن نفسك بضعفها وقوتها، اتخذ قراراتك بنفسك وتحمل تبعات إختيارك، عش طبيعتك وعفويتك فالحياة خلقت للتجربة.. وفي التجربة قد نخطيء وقد نصيب، وإنما الكمال غاية لا تدرك. فقط ثق بنفسك وبقدراتك، ولا تجعل عقلك تابعًا لأي فرد، أو لأي شيء، وإنما أجعله سيدًا يقود خطاك إلى الطريق القويم الذي ترضاه لنفسك.

ساسه


أخبار ذات صلة

تأثير التعليم على الفيزيولوجيا

تأثير التعليم على الفيزيولوجيا

إشراف.. الأستاذ الدكتور رشاد محمد ثابت مراد

المايسترو ميساك باغبودريان:

المايسترو ميساك باغبودريان:

من المحزن عدم وجود أي برنامج يتحدث عن الموسيقا في قنواتنا التلفزيونية