ما يميز أدب جنوب أفريقيا هو التجاذب بين خصوصية الكاتب الفطرية وزخم الأحداث الخارجية
سوسن صيداوي
كتاب (الأدب الإفريقي الجنوبي قصص- مقالات- شعر) لمترجمه الدكتور هاني يحيى نصري والذي استهل مقدمته بعبارة «لا يمكن فهم الأدب الإفريقي الجنوبي إلا من خلال التحولات التي طرأت على فكر الأفارقة الأصليين بين لغتي: الأفرقة الحديثة والنيغرية الاستعمارية القديمة» وبالطبع هي عبارة حتمية لأمر حياتي طبيعي ولواقع سواده كالعلقم، عاشه الأفارقة في ظل استعمارات بشرية وحتى طبيعية مازالت متربصة تأكل إنسانيتهم وتسلبهم أبسط حقوقهم. كتاب (الأدب الإفريقي الجنوبي.. قصص – مقالات – شعر)، كتاب من القطع المتوسط يقع في 464 صفحة، صدر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب وضمن المشروع الوطني للترجمة، سلسلة (إبداعات أفريقية). يقسم الكتاب إلى أربعة أبواب، احتوى الأول على مجموعة من القصص، في حين ضم الباب الثاني مقالات لشهادات آدباء، في حين اختص الباب الثالث بالدراما محتويا على المقطع السابع من رباط القرابة، في حين ضم الباب الرابع مجموعة من الأشعار.
في التعريف
كتب مترجم الكتاب د. هاني يحيى نصري تعريفا حول الكتاب وشرح فيه كيف أن القارئ سيجد لهذا العمل الصلة القوية في البنية الاجتماعية لجنوب إفريقيا مع شمالها، كما أوضح، «نادين غودايمر» أسرار العون الجزائري لحركات المقاومة الزنجية، من أجل المساواة العرقية حربياً ضد البيض منذ بداياتها في قصة بهذا الكتاب، تحت عنوان: «من المؤكد سيكون يوم الإثنين»؟ وهي الشيفرة بين المقاومة وبدء الصراع المسلح هناك، المترافق مع فتح مراكز التدريب في الجزائر للثوار بمعاونة إثيوبية أيضاً. وتاريخياً: سيجد القارئ في مقدمة هذا الكتاب ما أوضحه بشأن هذه الصلة، من خلال «الزوايا» الصوفية من شمال إفريقيا إلى جنوبها منذ الفتح العربي، والأدب حين يوضح هذه الصلة الحضارية بين الأفارقة، يؤكد تشابه البنى الاجتماعية في حضارتنا ككل، فينبه لتشابه المشكلات الاجتماعية أيضاً، تلك التي تبرز اليوم بعد التساوي بين الأعراق هناك، الأمر الذي سيجده القارئ بما نقدمه له من ذاك الأدب، بنفحة اجتماعية بيننا وبينهم واحدة بكل معاني الكلمة، تدعو إلى الفخار بقدر ما تدعو لنقد الذات، وضرورة تصحيح العيوب، حتى لا يستمر طمع الشعوب الأخرى «بنمطنا»الحضاري المختلف عنهم، تاركاً للقارئ اللبيب إدراك هذا النمط الذي أوضحته بين ثنايا تلك الأشعار والقصص والأخبار لإيضاحه لنفسه، وإلا فليعلم بأنني بهذه الترجمة لا أقدم قصصاً ترفيهية له.
تميّز الأدب الإفريقي
إن ما يعطي أدب جنوب إفريقيا تميزه، بحسب المترجم، هو هذا التجاذب بين خصوصية الكاتب الفطرية وزخم الأحداث الخارجية، وهذا أمر واضح عند الكتّاب الروس، مضيفاً «هذا ما عبر عنه أنثوني سامبسون في المقدمة التي كتبها، وأن الكتّاب الإنكليز انشغلوا بأمور كالعادات الخاصة أو الطفولة الرقيقة أو الحنين للماضي أو الخيال، أمور مترفة لم يستطع كتاب جنوب إفريقيا الخوض فيها، وإن أرادوا ذلك كان عليهم الخروج إلى العالم حيث لم يكن صعبا معرفة ما عليهم كتابته، فعند الكاتب الأبيض إدراك متواصل بما يواجهه رفاقه من محن، فالناس هناك كانوا إما أكبر أو أصغر من الحياة كما في قصة ديكنز».
كما تابع بأن كل كاتب إفريقي يواجه مكانا خطراً يشبه لندن أيام شكسبير. ففي وصف «تات ناكاسا» لمدينة جوهانسبورغ يحذر من المراسلين الأجانب «الذين يجدون الدفء في قذارة أحياء السود الفقيرة»، لكن وصفه هو لحياته المتشردة والقصة الرائعة لـ«داغمور بواتي» التي تتصدر هذه المجموعة القصصية، نرى دفئا وسخرية وتجرداً رائعاً يشجع الزوار العاطفيين الرومانسيين، أنه عالم بعيد عن الكاتب الإنكليزي الباحث بعبثية عن مادة يلتقطها من طفولته. كما أضاف بأنه كيف يمكن للأديب الإفريقي أن يبدع في هذا الجو المتوتر؟فعملية التواصل في الحياة الاجتماعية لجنوب إفريقيا أصبحت صعبة، وهذه كلمات ناكاسا،: «ما نراه هنا هو أكثر انحداراً إنه تعطيل للحوار وأن حاجز اللون الذي هيمن على كامل الحياة في جنوب إفريقيا فلازم وأثقل حتى أماكن الطعام بشكل ممل في أنحاء المدينة». ليس فقط بين الأعراق ولكن حتى بين العائلات والمجموعات المغلقة لأن هناك أسئلة وآراء تكونت عنها وكما زاد هذا الانقطاع في الحوار زادت الحاجة للتعبير عن النفس حتى لا يفقد الإنسان عقله. وهكذا اندفعت وتفجرت الكتابة بشكل واثق وكأن هذه الكتابات تقول: «لابد من روايتها، لابد من روايتها…» هل هناك حقا أمل؟ البروفيسور «دي كيواميت» تنبأ منذ عشر سنوات في كتيبه»تشريح البؤس في جنوب إفريقيا: «أروع التفاؤل في جنوب إفريقيا هو في أقصى الجنوب، حيث انتشار الأوبئة والجرائم بين سكان المدن». والتأكيد على هذه الرؤية يكمن في روايات الحياة في إفريقيا التي تتميز بالتحمل والتعقيد والإنسانية، ورغم نهاياتها المريرة تذكرنا دائماً بالحضارة الحقيقية التي لن تموت.
بهذا المناخ حيث لا نسخة للحرية تظل هذه المعضلة للكاتب الإفريقي مؤلمة-يشرح «لويس نكوسي «هذه المعضلة أو هذا المأزق في مقالته»القوة السوداء أو أرواح الأدباء السود»: فيشير إلى الترابط بين التسامح العرقي أو القدرة على الاحتمال- وبين اللامقدرة فيقول: «تبدو وكأنها شريرة» وبعبارة غاضبة يتابع: «لمدة طويلة جرّب الشعب الأسود القوة بقدر كبير من اللاقوة». ويؤكد أهمية التحولات بسبب هذه القوة فيقول: «رأيت الكثير من المستوطنين البيض في إفريقيا الذين كانوا يقسمون أنهم لن يجلسوا أبدا إلى طاولة عليها سود ذوو رائحة كريهة، ولكن وبعد الاستقلال لم يجد هؤلاء أي حرج من مشاطرة طاولاتهم لرجال قبائل نصف عراة وبكل سرور…».
الوطن