رولا أبو صالح: الأطفال يمثلونني وهم يتحدثون عني ويعبرون عن تجاربي وأسئلتي في الوجودية
سوسن صيداوي
قليلة الكلام رغم زخم أفكارها وتنوع مشاعرها، تلجأ دائماً إلى الريشة والألوان كي تعبر عما في دخلها من خوالج فكرية وعاطفية، نهمة للقراءة وتحب الكتب الأدبية والعلمية، تجلس مع نفسها في عالمها الخاص مستأنسة بالوحدة والكتاب، مسافرة عبر خيالاتها في بحثها عما تريد أن تجسده في لوحاتها التي اعتنقت الطفولة موضوعاً، كي تجد كل الأسئلة الوجودية التي تبحث عنها هي ذاتها أثناء طفولتها. رولا أبو صالح فنانة تشكيلية خريجة معهد أدهم إسماعيل 2008، منذ مشاركتها في المعارض الجماعية وحتى افتتاح معرضها الفردي الأول في غاليري كامل، استطاعت أن تكون منفردة في فطرية وعفوية الأسلوب وبراءة التعبير، لأنها لا تريد الانتماء إلى مدرسة معينة بذاتها، لأن رغبتها تنطلق دائماً بأن تجمع من كل مدرسة منها ما يستهويها كي تستفيد مما يدعم رؤيتها في تصوير ثيماتها البصرية. وأخيراً تجدر الإشارة إلى أنه تمّ تمديد المعرض لغاية تاريخ 20 من الشهر الحالي في صالة غاليري كامل للفنون في دمشق.
من البداية
منذ عام 2008 وهو عام تخرج الفنانة التشكيلية رولا أبو صالح في معهد أدهم إسماعيل، قدمت العديد من اللوحات في ورشات عمل ومعارض جماعية، الموضوع الذي اختارته للوحاتها هو نفسه: «الطفل» في دهشته، في براءته، في لهوه ولعبه، وفي استكشافه لحقيقة الحياة، كلها صور لشخوص تلعب في خيال الفنانة وتجري وتحكي وتثور ثم تسكن وتهدأ وفقاً لإيقاع مشاعرها الفرحة، الغاضبة، الحزينة…. إلخ، هذا ما أشارت إليه الفنانة في لقائنا معها» عن فكرة المعرض واللوحات، أنا منذ عام 2008 أعمل على موضوعات الأطفال، وحتى اللحظة أعتبر نفسي أجرب في هذا الموضوع، وأنا لا أقيد نفسي أو أحصرها بموضوع الطفولة، على العكس، لأنني أجد نفسي حرة في عالم طليق من الحقيقة الداخلية، فالأطفال لا يعرفون الكذب، ولا يعرفون المراوغة أو أسلوب اللف والدوران، وهذا أمر ظاهر بملامحهم، وأنا أحب جداً حقيقتهم الداخلية. وبالطبع خياري مع الطفولة لم يكن مقصوداً مني، لأن هؤلاء الأطفال هم صور برأسي وأفكار وأقوم بتفريغها على اللوحات، والمُشاهد ماذا يتخيل أو يرى فيهم يسقطه عليهم، فأحياناً هناك أشخاص يرون اللون الأحمر معبراً عن الدم، على حين آخرون يرونه لوناً كله أمل، ومنهم من يرى اللون الرمادي بعيداً عن التفاؤل والحياة بعكس آخرين إذ يرون فيه الأمل والحياة، إذاً كل شخص يرى اللوحات بحسب نفسيته وأهوائه».
الطفل مرآة الفنانة
من خلال ثلاث عشرة لوحة في المعرض الفردي الأول للفنانة، رسمت أطفالها الذين أعمارهم بين الخامسة والسادسة في مواقف حياتية هي أصلاً المواقف والتجارب المخزّنة نفسها في بال وفكر الفنانة، التناقضات في الحياة، الخير والشر، نحن من نكون، وبين عتبة معرفة الحياة وجهل المعرفة بها، هناك الكثير مما أقحمته في أطفالها الذين هم أنفسهم كمرآة لها، حيث تقول أبو صالح: «هذه الصور هي مخزون قديم في داخلي، وعندما أبدأ بلوحة تجري الأمور بسلاسة، فالصور كلها عفوية ولم أخطط لها، ورسمتها كما أتخيلها في رأسي، أما ملامح الأطفال، فأنا قمت بالبداية بتأليف الوجه ثم بعدها قمت بأخذ تفاصيل من بنات إخوتي، فأعمارهن بأعمار الأطفال نفسها في اللوحات، وهي متفاوتة بين الخمس والست سنين، إذاً فالتفاصيل منهم، على حين الوجه هو من تأليفي، لهذا من يشاهد اللوحات يلاحظ بأن الوجوه تشبه بعضها، وكل طفل من هؤلاء الأطفال يعبر عني عندما كنت طفلة في العمر نفسه، كما أضفت إليهم مشاعر جديدة، والمشهد في اللوحات غير مكتمل تماماً كما أنا أراه وأشعر به بالواقع، فأنا لا أرى شيئاً كاملاً أو مثالياً وهذا الأمر بالطبع منعكس على لوحاتي غير المكتملة. وعن حالات الأطفال فهم محمّلون بهموم الحياة، وهم أكبر من عمرهم، وبالمقابل من بينهم من ينظر إلى مكان آخر، فهؤلاء من الأطفال الواعين الذين اكتشفوا التجارب، ومن ثم خسروا الألوان ولهذا نراهم في اللوحات بألوان رمادية لأنه عندما يكبر الطفل ويزداد وعيه، يصطدم بالواقع والأمر يدعو إلى الكآبة، وهذا حالي عندما كنت صغيرة. أما عن وجوه الأطفال التي تنظر إلينا، فهم أطفال ضائعون، لديهم أسئلة وجودية عن كثير من الأمور، وهذه الأسئلة كنت أسألها لنفسي في صغري ولم أجد جواباً لها حتى الآن، لهذا صورت الأطفال في هذا العمر ولا تزال الدهشة في عيونهم لأنهم لم يدخلوا في معترك الحياة وازدحامها فهم بعيدون عنها».
أسلوب عفوي بريء
قامت الفنانة رولا أبو صالح باستخدام الإكريليك ممزوجاً بالزيت في كل لوحات المعرض وهي في أسلوبها لم تتبع مدرسة بحد ذاتها، حيث قامت بتجريد الخلفيات في اللوحات وطال التجريد كل التكوينات، وتابعت الحديث حول هذا الموضوع: «في السابق كنت أستخدم الزيت، وكان العمل بوساطته في اللوحات يستغرق مني وقتاً طويلاً، إذ كانت اللوحة تأخذ مني وقتاً يصل إلى أربعة أشهر تقريباً، أما في لوحات هذا المعرض، فقد قمت باستخدام الإكريليك، ولأنني لا أستطيع الاستغناء عن الزيت وخاصة في تنفيذ تفاصيل العيون والوجه، قمت باستخدامه. أنا أحب ألوان الزيت كثيراً ولكنها بطيئة وفي هذا المعرض كنت مقيدة في الوقت ومطلوب مني الإنجاز بوقت سريع، وبالطبع لكل أمر جماليته ولا أستطيع أن أستخدم الزيت وحده أو الإكريليك وحده، لأنني في أسلوبي أعمل بأسلوب عدة مدارس ومن كل مدرسة لها طابعها وأسلوبها الخاص الذي يلمسني، فالإكريليك رغم محاولات دمجه في الواقعي فهو لا يساعد كثيراً لأنه مثلاً لا يعطي تفاصيل دمج البشرة ويبقى الأمر واضحاً لأنه سريع الجفاف بعكس الزيت. وما أريد تأكيده أن الأسلوب الذي أتبعه أنا هو أسلوب خاص بي، وهذا ما سمعته من الزوار الذين يأتون إلى المعرض، وكلهم أكدوا ما شعرت به تجاه أعمالي وبأن فيها شيئاً جديداً، فأنا لم أتبع مدرسة معينة لأنني لا أريد أن أقيد نفسي بأي مدرسة، فأنا أرسم بحريتي وبمحبتي للرسم، وأنا أحب الواقعي كثيراً لهذا رسمت بهذا الأسلوب في البداية ثم بعدها أكملت الرسم بحريتي وبأسلوبي الخاص وتماماً كما أحب».
أصداء المعرض
افتتح المعرض الفردي الأول للفنانة التشكيلية رولا أبو صالح في الخامس عشر من الشهر الحالي وتم تمديده لغاية عشرين من الشهر نفسه، كل من حضر المعرض استمتع بالموضوعات والألوان وكان متمسكاً بفكرة واحدة هي براءة وفطرية الفكرة والأسلوب لدى الفنانة، وهذا ما أخبرتنا به في نهاية لقائنا معها وقالت: «كانت الأصداء جميلة حول المعرض منذ افتتاحه، والحمد لله سمعت آراء جميلة حوله من دكاترة وأساتذة كبار، وخاصة أنني فطرية ولست أكاديمية، وأحبوا العمل بعفويته وبراءته هكذا من دون أي قيود، أنا أرسم نفسي وهكذا أرى نفسي، وإلى متى سأبقى أرسم نفسي؟ لا أعرف، ولكنني أريد الخروج من هذه الحالة حتى أصل إلى تصوير الذي أريد أن أعبر عنه. هذا المعرض استغرق مني أربعة أشهر لإكمال ثلاث عشرة لوحة، وبقيت حتى للافتتاح حتى الساعة الثانية عشرة في الليلة السابقة وأنا أعمل، بالطبع كنت متوترة جداً، فهذا معرضي الفردي الأول، ومنذ عام 2010 وأنا أبحث وأقرأ كثيراً كي أجد جواباً لأسئلتي، وأتمنى حتى اللحظة أن أكون وفقت فيما قدمته».
الوطن