السماء صافية والعصافير تزقزق .. عن الإعلام والحكومة لم تكد الحكومة بغالبيتها تخرج من حلب حتى لبست وجهها الآخر!!
من الطبيعي أن تتعامل الدولة السورية بعقلية المنتصر كنتيجة سنوات الحرب الثمانية .. من الطبيعي طبعا لا يعني أنه صحيح ولكنه مفهوم، لكن غير الطبيعي أن تظن الحكومة السورية أنها الدولة، أو أن تفعل ذلك دون امتلاك حنكة الدولة وقدرتها على الإمساك بالخيوط والملفات. حكومتنا اليوم التي تحاول بخطوات معصوب العينين تلمس الطريق في أكثر المراحل والمنعطفات حرجا في تاريخ سوريا الحديث. مكتفية بالتجربة الذاتية النابعة من يقين الانتصار والمبتعدة شيئا بعد شيء عن الارتقاء ليس فقط لتضحيات الجيش والشعب وتطلعات الشارع، بل تركض لاهثة في كل مفصل لترتقي وعيا وإدراكا وتطورا في الادوات لمستوى وعي الشارع وأدواته. ما يُضيع العمل الحقيقي والجهد المبذول على اختلاف قطاعاته لتغدو الحكومة اليوم دريئة الشارع وصاحبة الجسد ” اللبيس ” الذي ستغرس فيه كل الإبر و ال ” شناكل ” . في التعامل مع الإعلام نتحدث. فما وجب دراسته احترافيا لتشريح سويات العمل المطلوبة من قبل مختصين مثلا كشركات ادارة العلاقات والسمعة او اخصائيين حقيقيين، تم التعامل معه ككل شيء سوري، بالاكتفاء بالتجربة الشخصية فاختُصر الأمر على مدى سنوات الحرب وتبلور مؤخرا بحالتين كلتاهما خطأ في التقدير والتطبيق. الأولى حالة التطبيق و”رش القنبز” وتمت بانتخاب مجموعة من أشباه الصحفيين والحالات الهلامية الفوضوية منتفخة الأنا. ومن ثم تعويمها ونفخها ونفشها وتقديمها للشارع كحالة تعاون واحتواء. وهو ما تدفع الحكومة ثمنه غالبا بهمروجات الفيسبوك وتطبيلاته التي تجعل من ساعة ” رولكس ” لا نعرف حتى ان كانت ” رولكس ” وما شأننا سوى أنها خطأ في حالة الظهور الإعلامي ! تجعلها قضية من مبدأ أن الطبل طبل معكم وعليكم. لتصبح ” الترسانة الأعلامية ” هي ” طير حمد اللحلوح ” الشهير كمثل شعبي يُختصر شرحه لجاهله بأنه الطير الذي يُصطحب للصيد فلا يجلب لصاحبه حمد اللحلوح إلا الأفاعي والعقارب ، ويرميها فوقه . وهي الترسانة ذاتها التي جعلت من قضية ال٥٠ ليرة حدثا بارزا يطغى ويغطي على زيارة استثنائية كالتي حصلت أثناءها الحادثة، ونحن هنا لسنا بصدد تقييم الحادثة كقانون وكرامة وأضرار بل نمر عليها كحدث صنعه الإعلام ونقص الاحترافية بالتعامل معه وتكريسه في الأذهان كهاجس مرافق ” للزيطة والزمبليطة ” سلبا وايجابا ، ذهابا وايابا . الحالة الثانية مدرسيّة طفولية موتورة لا ينقصها الا أن تمسك الحكومة بالصحافة من أذنها وتوقفها على قدم واحدة خلف الباب، تعبيرا عن حردها وزعلها و” برمة بوزها”. مضحكة الحالة ككل ومربكة احيانا لا يمكن التعبير عنها الا بقرصة خفيفة على الوجه مثلا وان تقول” حردانة يا حلوة “؟ أو أن تقول الحكومة للصحافة ” نحنا الدولة ولاك ” ! اي بلاد هذه التي تبنيها حكومات يلتف المرؤوس فيها على الخطأ ويداريه حتى لا يلحظه رئيسه عبر وسيلة إعلام مثلا. وأي بلاد هذه التي تبنيها حكومات تُعاقِب صحافتها الوطنية وتجازيها بالمقاطعة احترازيا! وأي بلاد هذه التي لازالت حكوماتها تعتقد أن على الإعلام ان يغرد كالبلابل في السماء الصافية صوتاً واحداً ولحنا واحداً. وأي بلاد ستبنيها حكومات تخاف الإعلام ولا تحترم العاملين فيه ! بعض الإعلام الخاص لم يُسمح له ب” تغطية “ معظم فعاليات الزيارة الحكومية الاستثنائية (هنا نتكلم عن أنفسنا كتلفزيون الخبر ونحترم عدم رغبة الزملاء بزج انفسهم في سياق مماثل لأسباب اللي بيعرفها بيعرفها والي ما بيعرفها بيقول كف عدس).. في علم المنطق ، الخاص والعام يشكلان حالة تكاملية ، أما في نظر الحكومة على ما يبدو مع اختلاف قدرة أعضائها على تقدير دور الاعلام والتعامل معه، فهما يشكلان حالة تضاد ، لم يعد للسان الضاد في قاموسه سوى أن أن يمد رأسه خارجاً من الفم ، ساخرا من الشعب العنيد . أنت في حلب ، وحينما تكون في حلب ، يعني أنك أمام حالة استثنائية ، تشكل قراءتها بشكل صحيح أساساً لنجاح كل ما أنت مقدم عليه ، فما الأساس الذي بنت عليه الحكومة استراتيجيتها ، لتمنع وسيلة الإعلام التي يعتبرها معظم الحلبيون ابنتهم ، والأكثر انتشارا بينهم من تغطية حدث “ تاريخي “ كانعقاد جلسة الحكومة في سيدة المدن . يمكن للخطأ ان يكون تنسيقياً تنظيميا لكن تكراره والإصرار عليه يأخذه باتجاه العمد او عدم الكفاءة والقدرة على دراسة الواقع وإدراكه. فإن كانت بديهية كتلك “ غائبة “ يحق لنا التساؤل عن القدرة أساسا على دراسة الاحتياج وتقديره بناء على إدراك الواقع . وكانت أطلقت الحكومة عبر وسائل الإعلام الحكومية وبعض وسائل الحلفاء الإعلامية خطة شاملة للتنمية والتطوير . والخطة التي لم يكن بوسع تلفزيون الخبر نقاش أي من نقاطها لمنعه من حضور معظم اللقاءات خلال الزيارة الحكومية ( شأنه بذلك شأن غيره من وسائل الإعلام السورية الخاصة كما ذكرت سابقا ) قُدمت للإعلام والشارع دون تحديد ميزانية واضحة او خطة زمنية محددة . وقُدمت دون أن يعرف أحد هل سألوهم ” تلت التلاتة كام ” ! يشكل الإعلام في الغرب الركيزة لكل شيء أولا وتبسيطا بوصفه أداة من أدوات العلاقات العامة بتحويله جزئيا إلى صناعة. فبات ركيزة الاقتصاد ، المجتمع ، رسم السياسات. وتشكل صناعة البروباغاندا علماً متطوراً لا يدخل الطبل والزمر في مفرداته كما نعرفها نحن، يمكنك أن تعزف أي لحن و تحمّل عليه ما شئت من الأفكار ، دون أن يحتوي الـ “ دم “ والـ” تك “، فالاحترافية شرط واحد وحيد لتقديم الإعلام كمنتَج. ويعتبر التعاطي مع وسائل الإعلام ، أحد أسس التطور الحضاري ، والطريقة التي تتعامل فيها حكومتنا ، مع الإعلام وبخاصة الخاص منه تؤكد أنها تتعامل بذات الـ “ صورة النمطية ” ، والتي ترى أنها يجب أن تتحكم بتدفق المعلومات بـ “ لون واحد “ ، وكل ما ليس أبيض ، هو أسود. مؤخرا وحده اللون الأزرق بات محببا لها ، حينما جربت دخول اللعبة , ففي غياب الأيدولوجيات ، يغدو السطحي ، و” الفيسيوكرز “ هم حملة الرسالة . رسالة بلا “ نبي “ ولا “ رسول “ . لم تكد الحكومة بغالبيتها تخرج من حلب بعد ظهر الثلاثاء حتى لبست حلب وجهها الآخر. غابت مظاهر التنظيم والالتزام التام التي عمت المدينة نهارات وليالي الزيارة الحكومية. انقطعت الكهرباء كعادتها واختفت معظم دوريات الشرطة وعناصرها وحُفر عدد من الشوارع الرئيسية كالموازي لحديقة الفرقان باتجاه جسر سيف الدولة بسرعة قياسية تزامنت مع مغادرة الوفد. ما سبق أنسى الشارع الحلبي ضرورة العمل وإلحاح إنجازه بسرعة كواحد من المتطلبات الخدمية الأساسية لإصلاح شبكة المياه والصرف الصحي وأحاله لحالة هزلية كوميدية يتداولها الشارع بسخرية مرتبطة مع قدرة مسؤولي حلب على تفريغ الزيارات الحكومية من غاياتها وقدرة الحكومة على ضبط إيقاعات العمل ساعة تشاء. ولازالت التقارير الإعلامية تغرد كالبلابل . على شاشة إحدى القنوات الحليفة غير المرتبطة بمحور المقاومة حضرت تقريرا عن حال الأحياء شرق حلب فكدت أظن فعلا أن الحياة عادت إليها خدميا كما قيل. أنا من كنت فيها منذ أقل من ساعة أشرب الشاي وأشهد الألم . كدت أرجع إلى هناك لأنعت الناس بالكذب فتذكرت أنني منهم . وأنه لا يمكنني أن أفتح محل فلافل ” على قدي ” وأسميه ” فروج أب يحيى ” فإلى ذلك الحين أنا هنا أصب الشاي . تلفزيون الخبر