المدير العام للمتاحف والآثار: وراء هذه القطع المعروضة الآلاف من القطع الأثرية التي تمت استعادتها
سوسن صيداوي
التراث والإرث الثقافي هو هويتنا، وهو ما يعكس من نحن، ومن نكون، وكيف نعيش، وما نظرتنا إلى الحضارات والمجتمعات، وكيف سنكون في المستقبل. ولأنّ أي استعمار أو احتلال يسعى بكل ما لديه من دسائس وإمكانيات وأساليب لطمس الهوية، فيكون هدفه المباشر هو التوجه إلى التراث والإرث الثقافي، مدمرا، مخربا، مهربا، وبنجاحه يكون يحقق الغاية بنسف النواة القلبية للشعوب ومن بعدها ستبدأ الأمور بالانحلال والسقوط باتجاه الهاوية. ولأن العقل السوري مدرك منذ البداية لما هو مدبر له وما يحاك ضده تم الإسراع وتدارك كل المواقف بقدر الإمكان، سواء من حيث لملمة واسترجاع كل ما هو غال ونفيس من تراث وأثر سوري. وفي خطوات وهي محاولات لنشر الوعي بأهمية أجدادنا وبأهميتنا، برعاية وزارة الثقافة افتتحت المديرية العامة للآثار والمتاحف المعرض الأثري«كنوز التراث السوري-إنقاذ-حماية-توثيق» في القاعة الشامية بالمتحف الوطني في دمشق، حيث تناول الواقع الذي آلت إليه الآثار السورية من خلال عرض لقطع أثرية تم إنقاذها من المتاحف السورية، وأيضاً عرض قطع أثرية مهربة تمّ استردادها من الجهات المختصة، هذا إضافة إلى تسليط الضوء على الجهود التي قامت بها المديرية العامة للآثار والمتاحف في وزارة الثقافة في حماية الكثير من القطع الأثرية وإنقاذها بعد توثيقها وحفظها من جديد.
سورية كنز الحضارة
حضر افتتاح المعرض معاون وزير الثقافة توفيق الإمام الذي توجه في بداية حديثه بالشكر لمديرية الآثار والمتاحف والعاملين الذين أصروا وصمموا على إقامة هذا المعرض رغم كل المعوقات التي واجهتهم قائلاً: «جهودهم مشكورة على تصميمهم لإقامة هذا المعرض بدعم مالي من وزير الثقافة، وعندما شاهدنا هذا المعرض تذكرنا بأن سورية هي أقدم بلدان العالم من خلال مشاهدتنا لمعروضات من عصور ما قبل التاريخ، هذا إضافة إلى بعض المعروضات الموجودة والتي تمت استعادتها وعرضها في هذا المعرض، وأيضاً فيه بعض القطع التي تم ترميمها. حاولت العصابات الإرهابية التي دخلت المناطق الأثرية طمس تاريخ سورية وحضارة سورية، فسورية هي كنز حضاري ثقافي مميز على مستوى العالم، وهذا المعرض يثبت للعالم بأن سورية هي عاصمة التراث في كل العالم ونحن نفتخر بتراثنا السوري العريق، هذا المعرض رسالة للعالم بأن سورية هي بلد السلام والمحبة وبأنه من واجبنا المحافظة على تراثنا والذي هو جزء من عزتنا وكرامتنا التي نفتخر بها كسوريين ونحن كوزارة الثقافة نسعى بكل جهد لحماية هذا التراث وهذا التاريخ ونقف دائماً في وجه العصابات الإرهابية المسلحة ومن يدعمها فسورية لا تموت وهي حضارة وتاريخ وعطاء».
المعرض حملة توعوية
من جانبه أكد المدير العام للمتاحف والآثار في سورية مأمون عبد الكريم خلال الافتتاح أن المعرض هو جزء من حملة وطنية توعوية مستمرة للشعب السوري، وبالوقت نفسه هو رسالة للعالم بمدى حرص الجهات المعنية لإنقاذ تراثنا الثقافي، وأيضاً كي يبين للمتلقي الأعمال والجهود المبذولة في الحفاظ على الإرث من الحملات الإرهابية متحدثاً «إن إقامة المعرض في هذا الوقت جزء من الحملة التوعوية التي تركز على أهمية حماية الآثار، ومن خلاله نحن نتحدث عن النتائج، وعمّا فعلناه من الأعمال التي كانت تهدف إلى حماية وتوثيق التراث الثقافي السوري، نحن عرضنا عشرات من القطع الأثرية التي تلقي الضوء على أحقاب مختلفة من التراث الثقافي السوري من عصور ما قبل التاريخ إلى العصور المتأخرة، ولكن حقيقة الأمر وراء هذه القطع المعروضة هناك الآلاف من القطع الأثرية التي تمت حمايتها واستعادتها وكذلك ما تم توثيقه منها بطريقة احترافية، ومن خلال هذا المعرض نتحدث عن الجهود السورية التي بذلت لمكافحة تهريب الآثار على المستوى الدولي وما النشاطات الدولية والداخلية وماذا سنفعل في المستقبل، ونتحدث أيضاً عن أعمال التوثيق ثلاثية الأبعاد وآخر ما توصلت له التكنولوجيا والأبحاث العلمية وآخر ما توصلت له أعمال التوثيق العالمية، حيث طبقنا هذه التكنولوجيا في العشرات من المواقع الأثرية السورية، فهذا المعرض يعطينا رسالة توعية ورسالة تشجيعية لأبناء الشعب السوري، ونحن نعلم اليوم أن الحرب ستنتهي ولكن علينا أن نعرف أن إنقاذ التراث هو أبدي للأجيال القادمة وهو الهوية الجامعة التي تجمع حولها كل السوريين، وفي نهاية المطاف نحن نتحدث عن وطن واحد ولدينا تاريخ واحد وهذا ما سيدركه السوريون من خلال زيارة قاعات المتحف والتعرف إلى تراثهم والموجود من كل المحافظات السورية، وبالطبع من لا يحترم تراثه لا يكون محترماً في عيون الآخرين».
استعادة الآثار المهربة
على حين بين المقدم في وزارة الداخلية جوني سنجر طبيعة التعاون الوثيق بين وزارة الداخلية مع المديرية العامة للآثار والمتاحف في حماية المواقع الأثرية ما قبل الأزمة، مشيراً إلى أن هناك تسريعاً بهذا التعاون من خلال إيجاد ضابطة ارتباط بين الجهتين لتذليل العقبات ولتسريع قنوات التواصل مضيفاً: وبالنسبة للتعاون الخارجي نحن نعلم طبيعة الحدود السورية وكلنا يعرف أن هناك حركة تهريب موجودة من الحدود التركية أو اللبنانية أو العراقية أو الأردنية، وذلك بسبب الواقع الأمني الموجود، وفي الحقيقة الجهة الحدودية المتعاونة معنا هي الحدود اللبنانية، حيث أعادوا العديد من القطع المهربة، أما بالنسبة للجانب التركي فلا يوجد أي تعاون على الإطلاق، والمتوقع أن الجانب الأكبر من التهريب يكون عبر الحدود التركية، وعدم التعاون هو مقصود وهم لم يعترفوا أو يعيدوا أيا من القطع المهربة، على حين الجانب الأردني، إلى الآن، لم تتم إعادة أي قطعة من خلاله، ولابد من وجود قطع خرجت بسبب غنى المنطقة الجنوبية أيضاً بالآثار، أما بخصوص الجانب العراقي فكلنا نعرف الصعوبات الأمنية فيه».
أهمية الأرض والتراث
وحول أهمية المعرض قال مدير التراث د. محمود حمود «للأسف الشديد الكثير من أبناء وطننا يجهلون أهمية هذا التراث، وهذا الأمر تجلى واضحاً خلال الأزمة، وبالتالي تم التفريط بالكثير من المواقع الأثرية وخاصة المواقع التي وقعت تحت سيطرة الإرهابيين، وفي الحقيقة تأتي ورشات العمل والمعارض لتضيء على هذا التراث وما يتعرض له ووجوب الحفاظ عليه، وضرورة استعادة ما تم تهريبه، وهذا أمر يحتاج إلى كثير من التوعية والاهتمام من خلال الندوات والمحاضرات والمعارض كي يدرك كل من هو على الأرض السورية أهمية هذا التراث».
الوطن